ولكن تكمن المفاجأة الكبرى الأجمل والأروع في هذه النهاية والتي أكدت معنى السفر من خلال الرجوع ، إذ السفر يعني احتمال الرجوع بينما الهجرة نفي لذلك من خلال السطرين :
ها أنا ذا أسافر نحو الجذور لعلي آتي نفسي بقبس
فربمايزهر الحرف على أغصاني قناديل شعر
لقد عاد بنا المبدع بعد رحلته الجميلة إلى عالم الجدة عالم الجذور جذور الحياة والجمال والبساطة واستخدام الاسترجاع (flash back )كأداة لمفاجأة القارئ بالتحول والذي يتحقق فيه معنى الخاطرة من خلال التحول بهذه المرونة والانسيابية من زمن لآخر ، وينفصل صوت المبدع عن الطفل بضمير الغائب ليتحدث عن نفسه في فكرة سينيمائية جميلة ، إذ يبدو المبدع بعد انتهاء ال(فيلم) والذي مثلته الخاطرة يتحدث لنا لنتأكد من الرحلة أو السفر قد تم بنجاح وقد آتى أكله فعلاً أو لنكن أدق اقترب من ذلك ، وذلك اعتمادًا على التعبير :"لعلى آتي نفسي بقبس" مستخدمًا في ذلك النص القرآني في سورتي طه ، القصص غير أنه شتان بين قداسة جو هذه الآية ومتعة أجواء هذه الخاطرة . وكما افترضت أن السفر مجهول المسافر ، فإن المبدع قد جعل السفر ليس للنفس فحسب بل للحرف للرؤية للفكر للخيال ، وهذا ما يتأكد لنا في القبس ذلك القبس من الإبداع الذي يتحراه الواحد منا في كل لحظة ممكنة .
إن المبدع لا يسافر للجذور للارتحال عن الواقع والاغتراب عنه وإنما لتكون الجذور هي ملهمته للحرف والإبداع . لقد كان تعبير السفر عن استلهام المبدع الفكرة من الماضي ، ويظل في واحة هذه التعبيرات المشرقة المشعة إذ يشبّه الحرف بالزهر والذاكرة –بعد أن ذهبت للجذور وارتوت منها – بالأغصان ، ولكن الجمال في أن يخرج من بين زهور هذه الأحرف قناديل شعر وهذه الصورة للقناديل الخارجة من قلب الزهرة صورة تتسم بالفانتازيا و تكون خاتمة مناسبة للمشهد والذي بدأ بالجذور لينتهي بالأغصان وهو ما عبر عن حالة (الإزهار ).
حقًا إن هذه الجذور لها حق علينا في الزيارة ، لكن ترى متى تعطى لنا التأشيرات ؟
عمل رائع أخي العزيز أهنئك عليه دمت مبدعًا وفقك الله