عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-10-2009, 11:57 PM   #5
ماهر الكردي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية لـ ماهر الكردي
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2009
الإقامة: iRAQ
المشاركات: 1,471
إفتراضي

تكملة الموضوع

و كفى شباب هذه الأمة هذه الأفكار المنحرفة التي أقنعتهم بأن تكون أقصى أحلامهم أن يعملوا حجاباً و أذنة على أن يتعرضوا لإخشيشان ضروري لمَّا فاتهم أصبحوا ذوي نفسياتٍ مثل نبات "كسار الزبادي"[ نبات لطيف جدا يتطاير مع نسيم الهواء ، ويضرب في الشام مثلا لعدم التحمل والرقة الشديدة] ، وأنا أعرف كثيرين ذهبوا من دون واسطة و لا رشوة لأحد ورجعوا رجالاً فالرشوة حرام و لا يموت أحد إن ذهب إلى الجندية رجلاً ليعود أكثر رجولة و قدرة على مقارعة الحياة . أزمة أفكار مغلوطة أصحابها لا يملون من الشكوى و يطلبون من الخطباء و الدعاة الحل ، و الحل هو الصحوة الفكرة و الالتزام الأخلاقي الإيماني قدر الاستطاعة ، و عند العجز فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ؛ أما تدمير كل السدود الفكرية و الأخلاقية فهو عين مشكلة الأمة . و قد استمعت بصبر إلى بعض من يشكون من سيادة الرشوة و يطالبون بالتصدي لذلك ، فقلت لهم مختبراً : معكم حق ، و غداً سأذهب إلى وزارة الداخلية لأخذ ترخيصاً رسمياً بمظاهرة سلمية تحت سمع القانون و بصره للاحتجاج على انتشار الرشوة و سأُسأل بالطبع وهل تطلب هذا الترخيص لتقوم بالمظاهرة لوحدك؟ وسأقول : بالطبع لا فورائي أمةٌ من الناس يشدون من عضدي ، وسيقال لي : ولكن المظاهرة هي تعبير عن مشكلة أمة لا فرد و معنى ذلك أنه لابد من وجود مجموعة من الناس تمثل الباقين وسيعطى الترخيص باسمهم جميعاً فما سمعنا بعد في الدنيا أن ترخيص مظاهرة يعطى لشخص واحد! وهذا حق ، وقلت للمشتكين : إذا سمحتم أعطوني صوراً لبطاقاتكم الشخصية و سأضع معها بطاقتي لنطلب الترخيص باسمنا جميعاً ، و نظرت إلى عيونهم التي أصابها جحوظ يقارب جحوظ الموت و إلى ارتعاش أيدي واحد منهم و نشفان ريق ثالثهم ؛ لأجد أن الخلاصة عندهم هي الفرار!
إن الحقوق أيها الناس تؤخذ و لا تعطى و الأمة التي لا تريد أن تحافظ على كرامتها بالتضحية مهما كان الثمن لا تستحق أن تعيش أصلاً . انتشار الرشوة أزمة أفكار وَلَّدَتْ أزمة أخلاق ، وكل ذلك صنع بأيدينا و لم يصنعه أحد لنا ، و كما رضينا من أجل شهواتنا بأن نستبيح كل مقدس و محترم فعلينا من أجل عقيدتنا و مبادئنا أن نصبر على كل ثمن و نقدم كل نفيس و إلا بقينا ندور حول رحى الضياع و الفساد قروناً قرونا. الفساد ينبع من ضياع الفكرة الصحيحة و الخلق السوي و منذ أيام فقط علمت بأن فلاناً تآمر مع دلال بيوت في لعبة وسخة حصيلتها أخذ العمولة على مبيع بيت لوالدته من دون أن تدري . هذا المثال من جنس مثال الذين تراموا على اليهود ليعانقوهم ترامي اليتيم على أم فقدها ثم وجدها بعد فقد طويل و لسبب لم يلصقه أحد بهم بل فضحوا أنفسهم بذلك عندما قال واحدهم أن هذا هو حلم جده منذ ثلاثين عاماً ؛ أي أن الأمر ليس لمصلحة الأمة ولا الحفاظ على عقيدتها و لا اختيار أخف ضررين محيطين بل خيانة عريقة ورثها الأحفاد عن الجدود وبيعت فيها الأمة منذ ثلاثين عاماً ليتقاسم فيها العمولة أجداد وأحفاد . هذا المثال مثل نموذج دلال البيوت وخائن أمه . كلا المثالين موقف مخزِ يدل على إفلاس حضاري و أزمةٍ فكرية مخيفة لا يتعظ أصحابها ، وانهيار أخلاقي مرعب . أزمتان : أزمة فكر وأزمة أخلاق متعانقتان جدلياً في اندغامٍ شديد و إن كانت البداية فيما أظن: أزمة فكر صحيح.
بعيداً عن الإغراق و التحليل يبقى أساس الشهود الحضاري الصحيح و التوازن الحياتي البناء المُسعِد :كتاب الله و سنة نبيه الهادي صلى الله عليه و آله و سلم ، و بآية واحدة لخصت المشكلة و قدم الحل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (و العصر إنَّ الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر) العصر . ففي محكم التأويل أنَّ الإمام الشافعي رحمه الله قال : لو فكر الناس كلهم في هذه الصورة لكفتهم ، و ذكر الطبراني أن الرجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر ، وقد ظن الناس أن ذلك كان للتبرك وهو خطأ و إنما كان ليذكر كل واحد منهما صاحبه فيما ورد فيها خصوصاً من التواصي بالحق و التواصي بالصبر حتى يجتلب منه قبل التفرق وصية خير لو كانت عنده . اللهم فقهنا في دينك و ردنا إليك رداً جميلاً.
ماهر الكردي غير متصل   الرد مع إقتباس