[يوسف جاد الحق]

بسم الله الرحمن الرحيم
لن أفتي في موضوع الاختلاط ، فللفتوى أهلها . و لكني أريد أن أناقش القضية بموضوعية تتلاءم مع معتقدات و قيم المجتمع المسلم ( في السعودية و غيرها من بلاد المسلمين ) ، فأقول و بالله التوفيق :
يجب أن يبدأ النقاش في أساس المشكلة ، لأن الحوار في الفرعيات لن يحل شيئاً إذا ما سكتنا عن الأصل ، و لذلك أقول : إن أساس المشكلة هي في فلسفة التعليم في بلادنا الإسلامية ، و غياب الاستراتيجية المبنية على ثقافة المجتمع و ثوابته ، و منها : تعليم المرأة ، و عملها.
أما عملها ، فالكل يعلم أن عملها قد جر و ما يزال يجر الشرور المتزايدة على المجتمع المسلم ، و المتمثلة بالبطالة المتزايدة ، و العنوسة ، و هو ما سيوصلنا إلى البغاء و التهتك لاحقاً .
و أما تعليم المرأة ، فالاجماع منعقد عند المحافظين و المتفلتين على السواء بأنه يجب تعليمها ، و لكن أي تعليم هذا ؟ أهو التعليم الذي يقود إلى سوق العمل و مزاحمة الرجال في لقمة العيش ، أم التعليم الذي يبني ثقافة تجعل من المرأة أما صالحة و مربية فاضلة و ربة منزل حسنة التبعُّل ؟
إن دخول المرأة لمعترك الدراسة العلمية التطبيقية ، يقوم على حجة استغلال طاقات المجتمع للنهوض به اقتصادياً و اجتماعيا ً .... الخ . فأقول :
1- هل طاقات الرجال في بلاد المسلمين مستغلة بحق ؟
2- هل مخرجات التعليم الكمية تحقق تقدماً في المجتمعات ؟ أم هو التعليم النوعي الذي يقوم على استغلال المواهب و القدرات ، و التركيز على الأبحاث .
3- هل التعليم وحده و إن بلغ ما بلغ من الجدية يحقق النهوض لمجتمع من مجتمعاتنا المسلمة ( أي دولنا المسلمة ، المفككة ، الفاشلة في أنظمتها السياسية ، المنخورة بالفساد المالي و الإداري و السياسي ، و الأمني .... ) ؟
4- هل إذا دخلت المرأة معترك المعمل مع الرجل جنباً إلى جنب و كتفاً إلى كتف و فخذاً إلى فخذ ، يزيد الانتاج و تتقدم المجتمعات و تتنور العقول و تزداد الاكتشافات ،و تحرر الأوطان و يعلو الشأن ، و نأكل الشهد باطمئنان ؟ أم سينتشر الخنا ، و تنسد أبواب الزواج و تغلق الأسر ، و تفتح أبواب ملاجئ إيواء اللقطاء ، و يهيج التلاعن و التطاعن بين الناس ؟
الجواب : ترونه ماثلاً امامكم في المجتمعات الغربية ، و لا يحتاج إلى كثير فذلكة حتى نتوصل إليه، و لكن التقدم الذي ترونه في الحياة المادية في الغرب ليس مرده إلى الاختلاط و الخروج عن الطهر و العفاف ، بل هو لصلاح الانظمة السياسية و الادارية التي تحكمهم - صلاحاً نسبياً - ، فلا تخلطوا الأوراق ، أو تختلط عليكم المفاهيم .
و أعود و أقول : إن الاختلاط في المؤسسات العلمية ، ليس هو الذي سيتقدم بنا إلى المستقبل المنشود ، و لكنه الاصلاح السياسي و الاداري و المالي ، و السعي الجاد في إيجاد اتحاد عربي قوي ، بل إيجاد اتحاد اسلامي واسع ، و به وحده نستطيع استقطاب المبدعين ( من المهندس و العالم و الطبيب و الباحث إلى لاعب كرة القدم ) ، أما أن ندفن رؤوسنا كالنعام ثم نلحق كل ناعق يأتينا من الغرب ليقول اتبعونا و لنحمل خطاياكم ، أن نتبع سننهم شبراً بشبر و ذراعاً بذراع ، و ندخل معهم كل جحر ، أن نسلم لهم قيادنا كالبلهاء كأن الله ما علمنا سبيل الرشاد ، فهذا الغباء المطلق و الفسق الفاحش و الهوى الماحق .
ثوبوا إلى عقولكم أيها المسلمون ، أيها العرب أيها الرجال (إن بقيت رجولة )، و الله لم يفعلها أجدادنا الجاهلون قبل الاسلام ، فكيف بكم و قد جاءكم نبي الهدى بالمحجة البيضاء من ربكم و زكاكم و علمكم ما لم تكونوا تعلمون . و حذركم ربكم أن تتبعوا الذين كفروا إذ قال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }آل عمران100
و قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ }آل عمران149
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ }الممتحنة13
{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء.... }النساء89
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء144
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }المائدة51
{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }المائدة81
{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }الأعراف3
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113
{وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الأحقاف32
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ... }الممتحنة1
أيات كثيرة تنهانا عن أن نتخذ هؤلاء من يهود أو نصارى أو مبغضين للشريعة الغراء أولياء و نصحاء و معلمين - و أقصد التعليم غير المتعلق بطبيعة الكون - ، فلا ينبغي أن نأخذ عنهم عريهم و لا اختلاطهم و لا العلاقات التي تربط بين الرجل و المرأة و المجتمع ، فهذه حددها لنا رسول الطهر و التزكية و الرحمة ببلاغ من ربه و انتهى ، فما ينبغي لنا أن نعود إلى مناقشة هذه القطعيات ، إن كنا مسلمين !
إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين .