سحر الحقيقة
وهذا النوع من السحر: هو عزائم ورقى وطلاسم شيطانيه وعقد لها تأثير قوى في القلوب والأبدان والعقول
قال أبو محمد المقدسي في ( الكافي )
(السحر: عزائم ورقى وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب, فيمرض, ويقتل, ويفرق المرء وزوجه, ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه, قال تعالى(.... فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ...) (البقرة : 102 ) وقال تعالى ( قل أعوذ برب الفلق ) إلى قوله ( ومن شر النفاثات في العقد ) (الفلق 1-4 ) يعنى السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن, وينقش في عقدهم ولا أن للسحر حقيقة لم يأمر بالاستعاذة منه )
( والسحرة إذا أرادو عمل السحر عقدوا الخيوط, ونقشوا على كل عقده حتى ينعقد ما يريدونه من السحر, ولهذا أمر الله تعالى بالاستعاذة من شرهم في قوله تعلى (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) (الفلق:4) يعنى السواحر اللاتي يفعلن ذلك والنفث: هو النفخ مع ريق دون التفل, وهو مرتبه بينهما, والنفث فعل الساحر, فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقد نفخا مع ريق فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج الشر الأذى مقترن بالريق الممازح لذلك وقد تساعده الروح الله .
وحقيقة الأمر: أن الساحر يأخذ أو يؤتى إليه بشيء من الشخص المراد سحره كقطعه من ثيابه أو شعره من رأسه أو جزء من أظافره فان لم يوجد شيء سأل الساحر عن أسهم أمه حتى يجد علامة ربط بهذا السحر والمسحور ثم بعد ذلك يعقد عقدا يكون فيها هذا الأثر, ثم يقرأ تعاويذه وطلاسمه الشيطانية وهى محاوله لطلب المساعدة من الأرواح الخبيثة لإنفاذ السحر فتعاونه مردة الشياطين الذين يعبدهم ويطيعهم من دون الله فيسخرون له أرواحا خبيثة يربطوهم بجسم الشخص المراد سحره فلا يستطيع أن ينفك عنهم وهذا الشيطان المربوط بالمسحور يسمى (بخادم السحر) فيلازمه وتتابعه حتى يجد فرصه سائحة فيدخل في جسده فلا ينفك عنه إلا إذا أبطل السحر وانفكت العقد, ثم توضع العقد المربوطة مع أوراق فيها طلاسم وتعاويذ شيطانيه مكان قريب أو بعيد من المسحور حتى يلازمه السحر فتدفن في الأرض أحيانا أو توضع في أماكن خفيه حتى لا يعرف مكانها فتبطل وقد يضاف إلى ذلك بعض المواد الخبيثة والتركيبات النتنة مثل (اعذره, أو المنى, أو دم الحيض, فتخلط وتجفف وتسحق حتى تكون (بودرة) وتقرأ فيها التعاويذ ويكون منها ماده سحريه توضع للشخص المراد سحره في طعامه أو شرابه حتى تستقر في بطنه فتقوم بجذب الروح الخبيثة (خادم السحر) إلى الجسد لتستقر بها فإذا استقرت الأرواح الخبيثة في الجسد قامت بأداء المهمة التي من أجلها عمل السحر فان كانت للتفريق بين المرء وزوجه قاموا بعمل أشياء تكره الرجل في زوجته أو المرء في زوجها كأن يجعلون في فم المرأة – أن كانوا فيها – رائحة نتنه لا تنفك عنها.
أو يسببون للرجل أو للمرأة ضيقا شديدا وقلقا وخوفا طالما هو في بيته مع زوجته أو يهيجون أعصابه فلا يتحمل كلمه واحده من زوجته ... إلى غير ذلك من العوامل التي تدمر الأسر .
وأما إذا كان المراد من السحر تسبب الأذى للمسحور فقد يسببون له ما حادة في الرأس (الصداع) وآلاما حادة في الظهر والمفاصل وضيقا في الصدر, وأوجاعا في البطن, وإذا كان المراد من السحر صرف المسحور عن دراسته أو تجارته أو مستقبله فيقومون بتشتيت فكره والتسبب في أرقه وهدم راحته وجلب الكوابيس والأهوال له عند النوم... إلى غيره ذلك مما يقوم به السحر
وكل هذا الضرر كما قال تعالى: (... وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ...) (البقرة : 102) فإذا إذن الله لهم بضر شخص ما يقع منهم الضرر لذلك الشخص بسبب هذا السحر
وهذا النوع من السحر (سحر الطلاسم) هو من اخطر أنواع السحر وأكثرهم انتشارا في زماننا هذا لآن كثير من إضعاف النفوس وجدوا فيه حاجتهم لإشباع الانتقامية ونفث سموم أحقادهم على من يعاديهم من الناس فعاثوا في الأرض فسادا والله لا يحب الفساد
الطلاسم والتعاويذ الشيطانية التي يستعملها السحرة لجذب الشياطين وعمل السحر
لا يستطيع أحد أن يسخر الجن ويملكهم بعد دعوة سليمان عليه السلام (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ "35" فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ "36" وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ "37" وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ "38" هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (صـ:35-39)0
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عندما يوما يصلى فسمعه الصحابة يقول:(أعوذ بالله منك )ثم قال :(ألعنك بلعنه الله ) ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة سألوه فقالوا له : يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال:(أن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك, ثلاث مرات, ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة)
وفى الصحيحين, عن أبى هريرة ,عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أن الشيطان عرض لي فشد على يقطع الصلاة على فأمكنني الله منه فزعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سريه حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان عليه السلام:(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي....) (صـ:35) فرده الله خاسئا) إذن فما سر العلاقة التي تكون بين السحرة وبين الشياطين؟ فان شياطين الجن معروف أنها تعين السحرة على أمور لشر ويطيعهم في ذلك وتنقاد لهم وتنفيذ لهم ما يشتهون من هذه الأمور.
العلاقة بينها الشيخ العلاقة القاضي بدر الدين أبى عبد الله محمد بن عبد الله الشلبي الحنفي في كتابه (آكام المرجان في أحكام الجان) حيث يقول في الباب الثامن والأربعين :( كفار الجن وشياطينهم يختارون الكفر والشرك ومعاصي الرب وإبليس وجنوده من الشياطين يشتهون الشر ويكيدون به ويطلبونه ويحرصون عليه بمقتضى خبث أنفسهم وان كان موجبا لعذابهم وعذاب من يغرونه كما قال إبليس:( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ "82" ِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (صـ: 82,83) وقال: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء:62) وقال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سبأ:20)
والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاحه يشتهى ما يضره ويتلذذ به بل يعشق ذلك عشقا يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله والشيطان هو نفسه خبيث فإذا تقرب صاحب العزائم والأقسام وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك – إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم فيقضون بعض أغراضه كمن يعطى غيرة مالا ليقتل له من يريد قتله أو يعينه على فاحشه أو ينال معه فاحشه ولهذا فكثير من هذه الأمور يكتبون منها كلام الله تعالى بالنجاسة وقد يقلبون حروف (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص:1) أو غيرها بنجاسة أما دم وأما غيره وأما بغير نجاسة يكتبون غير ذلك أن يرضاه الشيطان أو يتكلمون بذلك, فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم أما تغوير ماء من الماء أما أن يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة وأما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه ويأتي به وأما غير ذلك )...
إذن فالعلاقة علاقة مبينه على الكفر بالله تعالى فلا تستجيب الشياطين للسحرة وتخدمهم إلا إذا كفروا بالله تعالى وتتعدد أنواع الكفر بالله حسب ما تريده الشياطين وتمليه على الساحر فتارة يكون بكتابه آيات الله بالبول أو العذرة أعاذنا الله وتارة يكون برمي المصحف في القاذورات لو الحمامات بعد تمزيقه وتارة بأن يجعلوا لهم نصيبا من الصلوات الخمس أما الفجر أو العصر وتارة تكون بالسجود والتعظيم لهم إلى غير ذلك من أنواع الكفر – نسال الله العافية – وهذا الكفر هو ثمن علم هذا السحر كما قال تعالى : (... َمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ...) "البقرة :102"
ويكون المعبود من الشيطان من كبار المردة , فإذا تحققت له العبادة من السحر علمه كفايه عمل السحر والتاثير على الآخرين كما قال تعالى (... مَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...)(البقرة :102)
وكل هذا يتم بواسطة طلاسم وتعويذ يتعلمها الساحر من كبار المردة يؤثر على الشياطين ويتم بها عمل السحر – أي الطلاسم والتعاويذ – متعددة الإشكال والوظائف ولها قوة تأثير عظيمه وقد تقرن بكتابه بعض الآيات معها أو كتابه البسملة أو اسم الجلالة ( الله ) أو أسماء الملائكة وذلك
أولا : للتمويه والخداع ,
ثانيا: التحقيق الشرك بالاستعانة بها مع الطلاسم والأسماء الأخرى والتي هي أسماء أوليائهم من الشياطين