عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-07-2009, 11:34 PM   #364
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

النص الذي بين أيدينا يتسم باعتماده على (المونولوج) أي الحوار الداخلي ، ويبرِز مجموعة من التوترات المسيطرة على الكاتب متسقًا بشكل كبير مع العنوان أو الرؤية(وجع طارئ ) ذلك الوجع الذي يجعل من الوجع حالة طارئة لا قدرة له على تحمل تبعاتها ، كما يلعب استخدام العناصر المجازية دورًا كبيرًا في توتير هذا النص الذي ينتهي بنهاية ذات طبع حركي عنيف نوعًا ما ليؤكد التزامه بالرؤية التي بدأ النص بها .



هل أحبك؟
سؤال ربما ستظنين أن إجابته عمياء، وأن السؤال ذاته هو الذي يرى!!
هل أقول أحبك؟،،


بدأ العمل بالسؤال التقريري ليقصد به معنى استنكاريًا . ويبدو هذا السؤال الصادم في أول العمل وقد سار به إلى منطقة من التوتر ، إذ أن المحب متأكد من حبه لكن بفعل الهجر والتباعد يبدأ وكأنه يسخر من نفسه أو من الحب ليسأل هل أحبك كناية عما أصابه به الهجر من إفقاد للتوازن ومن التباس الرؤى بالنسبة له .

ويظهر مظهر جمالي متميز وهو الإجابة بالنيابة عنها تأكيدًا لتهميشها في المخيلة فكأن هذه الإجابة هي رد لاعتباره في مواجهة غيابها النفسي عن عالمه . ويستتبعه بتكثيف الغياب النفسي لها من خلال الإجابة بالتجسيد وهو إعطاء غير الإنسان سمة الإنسان وهذا يظهِر حالة من الضبابية في الشعور تجاه المحبوبة وربما يعكس شعورها هي تجاهه.

والتأكيد على هذه الضبابية وهو ملمح ثالث للعمل يتضح من خلال الفقرة :
أحببت دون هدى، وهداي لا يهديني إليكماذا أفسر ذلك بغير ذلك

ويميز النص حالة الحضور الافتراض للمحبوبة في مناجاتها وربما تحمل أساليب العبارة الإيحاء بأنها في معية حضوره لكنها شبة مغيبة عنه بالشكل الذي لا تستطيع الرد فيه .

لا أريد أن أرى الريح جاهزة لا قتلاعك من قمر ليلي، لأجدني متلفتا ورائي كي أجد ذاك الـ بعض من الحلم.. كل شرق وغرب يزيدني منفى حينها.. لا أفتقد المنافي الآن فكل الطرقات منفى، والعشق منفى، وهذا المساء ينفي ماتبقى من الحضور
كان التعبير الريح جاهزة لاقتلاعك من قمر ليلي فيه مفاجأة تتمثل في هذا التصاعد في الريح حتى تصل إلى القمر . إنه اضطراب حاد يتجاوز حدود الأرض ليصل القمر وهذا دليل على عنف الفقد ويتصل بدرجة كبيرة مع الحالة (وجع طارئ ). هذا الوجع الطارئ الذي يحل محل الرسالة أو الخطاب ليجعل هذه التوترات كلها النص في درجة ترتفع بالأداء اللغوي من وقت لآخر .

أفتقد المنافي الآن فكل الطرقات منفى، والعشق منفى، وهذا المساء ينفي ماتبقى من الحضور.
كان التأكيد من خلال أسلوب ذهني (يشحذ الذهن نحو التفكير فيما وراء الفكرة أو الحدث) مقويًا دلالة هذا الوحع من خلال توازي (دون هدي -شرق وغرب ، كل الطرقات منفى) وكان الاستخدام الساخر لا أفتقد المناقي الآن فيه انعكاس لهذه المقدرة اللغوية الجيدة على صوغ مثل هذه الحالات من الألم ، والتي تجعل الشيء المكروه كأنه مفقود ، وتأتي دلالته المفارقة (لا أفتقد المنافي) لتأتي المنافي معادلاً عن الحب وهنا تكون للأشياء والأفكار قيمتها ووظيفتها غير الاعتيادية.
ثم التأكيد على النفي "والمساء ينفي ما تبقى من الحضور" لتأتي دلالة اقتلاع الريح من القمر قوية للغاية معبرة عن حالة الفقد المصيب بالوجع . وهنا تكون للريح دلالتهاعلى أحداث الزمن والقمر عن الحب ...
صحيح أن النهاية أخت البداية، لكن إذا ذهبنا فهل سنجد ماتركنا بانتظارنا.. أسئلة لاترى وأجوبة يقودها العمى إلى المنافي

تظل هذه الأسئلة التي تشعل حركة ذهن المتلقي لإعادة التفكير في الحدث مثرية للنص ومشوقة له ومستبطنة الكثير من الجوانب النفسية إضافة إلى أنها تتسم بتعدد معاني المنفى حينئذ .فتارة هو الحب وتارة هو الهجر وتارة هو التيه وكانت ذات طابع فلسفي نوعًا ما.


محكومون نحن بالكره، لذلك نلتجيء دوما إلى أقرب طريق نجد فيه نافذة للحب،
المفارقة في الاستخدام اللفظي محكومون نحن بالأمل أو إننا محكومون بالأمل ، وكانت الرؤيا عبقرية في إحداث هذا التناقض بين الحب والكره وأن الحب هي النافذة التي يهرب من خلالها المحبوب من عمق الكراهية الحادثة . وهذا أعطى الحب قيمة تدني من قيمته وهي أنه أسلوب هروبي بدائي للتعامل مع الأحداث .
ستقهر الأسئلة لحظات صمتنا على ما أسلفنا من بداية الحكاية وكيف سرق منا هذا البريد أجوبة ظل الكل منا منتظرا لها دون طرح الأسئلة... أعرف أسئلة تدور ببالك ياصديقتي أو حبيبتي إن صدقت.
عنصر التجسيد كان في صالح النص دلل على شدة هذه اللحظات لحظات الفراق حتى صارت قاهرة للأسئلة وما أدراك بعنف الأسئلة ! ويبدو بعد ذلك الحدث متعلقًا بواقعنا اليومي والذي هو بريد إليكتروني غالبًا يحدِث وقيعة بين جانبين والاستخدام للفظتي صديقتي وحبيبتي جاء بشكل ينبه فيه على الشيء المفقود بينهما .

أتمنى أن لا تذهبي بي وذكرياتي إلى بئرها الأبدية، لا أريد أيضا عربيتي هذه أن تصير (سومرية حاملة جرة للصدى في انتظارك).
ربما تسهم أحداث العصر في تصوير بعض المشاكل العاطفية وتعطيها دلالة وحجمًا أعمق . لعل في هذه الأسطر إشارة إلى بعض ما سُرِق من تماثيل سومر في العراق وربما الحبيبة في غير بلده العربي أو هي غير عربية لذلك يأتي هذا السطر ليؤكد توازيًا بين العروبة والاستلاب .
لنقل أن في وسع شخصين مثلي ومثلك أن يحملا كل هذا التشابه أو اللا تشابه بين الضباب وبين السراب وأن يبقيا سالمين.. مسائي رمادي الآن فبماذا تفكرين أنت وماذا ستكتبين حين يكون مسائك رمادي ياحبيبتي


تبدو السخرية مرة أخرى مقويّة من دلالة الوجع الطارئ والذي كان عنوانًا محكمًا ومصوغًا تحته ما يدل على عبقرية التناول إذ أن حضور الليل والنهار واستحضار الطبيعة كان موظفًا في النص ليجعله أقرب إلى فيلم تسجيلي قصير . كان عنصر التساؤل حاضرًا على مسافات تشعر معها أنه (يحاصر) المحبوبة بما يجعلها لا تخرج من طعن حروفه الذي ينتقم من خلاله من هذا الوجع الذي لم يبرحه بعد .
وقد تكون للنص دلالته أن ثمة حبيبة هي زوجة أو مشروع زوجة مخاطبة بهذا التعبير (التشابه واللاتشابه) ثم الضباب والسراب . وجاءت لفظة ساء رمادي لتؤدي إلى اشتعال حالة القلق ، فلا هو ليل قمري ولا هو غائم وإنما يبقى للحالة النفسية توترها والذي تشي عنه الدلالات المتعددة وألفاظ الطبيعة.

تترقرق أحرفي دون وقوف أمام هذه العقلية الإلكترونية التي ستسلم رقبتي للذبح بسكين قلبك.. أتمنى أن لايكون حادا بما فيه الكفاية لإحسان ذبحتي، لا أود أن تكون ذبحتي حسنة.. أريدك أن تذبحيني متى شئت من المرات، وبإمكانك تصور متى شئت من الأعياد، لنفترض أن يكون عيد أضحاك فتذبحيني كل عام، أو عيد فطرك فتذبحيني كل عام أيضا، أو جمعتك فتذبحيني كل أسبوع، أو عيد لحظاتك كلها.

البدء بكلمة تترقرق أعطى النص حالة من الهدوء والاستقرار مرة أخرى لكن الإصرار على منطلق الوجع جعل للذبح حضوره وهذه التناقضات بين العقلية الإلكترونية والذبح والندى تجعل هناك إشكالية حول هذا العالم الصغير وكيف هو جزء من عالم النفس وكان كذلك تعبيرًا عن جنون هذه الحياة . ثم كان الاستخدام والتطويع اللغوي للذبح جيدًا في التأكيد على حالة الموت النفسي ، والذبحة هنا تتغير لتكون هي اللقاء والحب .
إن المعاني اضطربت لدى من يتحدث القارئ على لسانه وكذلك المعايير لدى المحبوبة وهذا ما جعل الذي يتحدث الكاتب على لسانه شخصية تتلذذ بتعذيب الذات وتتوحد في الآخر المعتدي . واستخدام اللغة في مثل هذه السياقات العاطفية يجعل للمفارقات اللغوية دورًا كبيرًا في إحداث آداءات لغوية ابتكارية وطريفة رغم أنها تتدرع بالحزن .




إنني أشتاقك متى شئت من المرات، فافعلي بي ما شئت أنت، أشتاقك مساءات كثيرة، أرغبك حيث أحن إلى قلب أنثى أبوح إليه بأحزان أيامي المثقلة.

هنا أرى خبرة أسلوبية يتمتع بها النص ، تتمثل في التغير من اللغة ذات الطابع الفلسفي إلى هذه الأخرى ذات الطابع المباشر بما يشعِر المتلقي بأن الحبيب قد طفح به الكيل وخرج عن صوابه ولم يعد أمامه بعد سلسلة ضغوط الحب إلا أن يتكلم يحكي (الخلاصة) إذ لم يعد للشرح ولا البوح وقت .

يا حبيبتي ..


هل تهيئين شجرتك لأن تساقط أوراقها من خريفي الآن؟!
أصبحت مشتاقا للكتابة..لست أدري ، كيف صارت الكلمات هكذا من غير قصد كالحصى، ربما يصير هذا الحنين طريقتنا في البقاء، أحن إليك، أحن إلى قلبك المعفر بالحنين .


أخيرًا لقد كان التمتع بقدر أكبر من المعرفة بالاستخدام المجازي للغة عنصر قوة في النص ، بما جعل الحالة الحركية المعبرة عن البعد حاضرة بشدة ورغم اعتيادية هذا التعبير لكنه جاء في وقت انتهى فيه ما يمكن قوله لذا كان في مكانه المناسب .
لقد كان السرد فاعلاً في النص ولم يشعر القارئ معه بالإرهاق وإنما تحتاج كل جزئية فيه لقدر كبير من التوقف عند دلالة استخدام العديد من الألفاظ وكيفية تظيفها ، وكانت كلمة المعفر بالحنين معبّرة بشدة عن هذا الامتزاج حتى النخاع بالحب .
العمل مميز وكان العنوان عبقريًا للغاية ويرتبط مع كل جزئية في النص بشكل مباشر ، وكان استحضار الجو والتعبيرات ذات الدلالة المفارقة عنصرًا فاعلاً في النص .
دمت مبدعًا موفقًا باركك الله .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 01-08-2009 الساعة 12:01 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس