ليس من قليل أنت سفير الكلمة ..
لغة الخطاب إلى المحبوبة كانت موفقة في إبراز تداعيات نفسية متراكمة تزداد جمالاً بهذه الجزئية :
في المكان الأقصى مني
تصوير النفس بأنها صحراء يعمّق الشعور بهذه الأحاسيس المتراكمة وحالة الشاعر بشكل خاص والتجسيد عمومًا يعد من عوامل متانة الخاطرة .
التضاد في استخدام دلالات الألفاظ :
بشفتين أحرقهما البرد !..
مثل هذه التعبيرات تأتي لتعبر عن حالة التلاشي وكان هذا التعبير موفقًا لدرجة كبيرة في إبراز مدى الألم المتلبس بالكاتب أو من يتحدث الكاتب على لسانه .
الأسئلة الاستنكارية :
أدت دورًا كبيرًا في إشعار المخاطَب بالسخرية ونبرة العتاب .. لكن الأجمل من ذلك هو تلك العبارة الذهبية :
كيف استجمعتِ مشاعرك المبعثرة , لأن الإتصالات لا تراعي عُملاءها من المتهامسين !..
تراعي الربح فقط , متى كان رصيدك باذخاً .. سحقاً لهذه الخدمة !..
من جماليات النص الأدبي عامة أن يعبر عن العصر الذي هو فيه وأن يستخدم تقنيات الحياة اليومية ويوظفها مع النص دلاليًا وهذا ما حدث ، فتصوير النفس بشركة اتصالات وتصوير المحبين بالعملاء المتهامسين ..إلخ يأتي على فكرة مردها أن الحب استحال شيئًا يفقد جماله الوجداني ليصبح شيئًا آليًا بحتًا . وكان اللفظ سحقًا لهذه الخدمة مميزًا في أنه اختصر هذه المحبوبة إلى مجرد (عميلة في شركة اتصالات) . جيد بعد ذلك استخدام الوسائل ولعلها الأسئلة عن الماضي والعتاب وما شابهه وهذا يؤكد النزعة المادية التي يصر الشاعر على إيصالها للمتلقي بأننا صرنا عصر حب آلي لا مذاق له .
جميل أنك تشعر أن المخاطب تارة موجود بين يدي المتحدث وتارة تشعر بغيابه وتارة تشعر أن هنالك حالة حركة داخل النص ، وأن كل نص يصف مشهدًا معينًا وهذا يدل على وعي بالصورة التي تمثل في مخيلته .
أجمِل بهذا التعبير وأحسِن به :
لكن هل هيّ كشهاداتي لكِ ؟
يلعب السؤال الاستنكاري دورًا في إبراز المحب لكبريائه ، وهو إذ يلومها- ومن النص يتضح أنها فعلاً كانت عائدة من رحلة تعليم -فهو يمنح نفسه سمة أكبر وهي أنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وأنه هو واهبها أو مانحها كينونتها .
وتأتي أخيرًا النهاية والتي تشعر فيها بكبرياء المتلقي إذ أنه يحب أن (يشد أذن المحبوبة) ثم في النهاية يصفح عنها بقوله :
وأنا ذلك العاشق , يسامح الجارحين متى يشاء .. ادخلي قلبي !..
النص كان مركزًا متماسكًا تشعر بمتعة الانسياب في أحداثه وتسلسله وكذلك وضوح الحدث مع الاستتار النسبي له فليس مباشرًا خطابيًا وليس رمزيًا مغرقًا وهذه حالة قليل ما هم يجيدون التعامل معها.
بعد هذا النص لا أقول إلا أنني أمام فرد يتسم بالقدرة على تطويع أدواته ورسم الحالة النفسية على أوراق المتلقي ، وفقك الله ودمت مبدعًا وأرجو الانتباه بشكل أكبر لدور العنوان في النص ..
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال
*** تهانينا للأحرار أحفاد المختار
|