عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-07-2009, 10:41 AM   #354
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

الفراق-الخيانة-الرحيل .. ثلاثية شاءت أم أبت ، فإنها أوجِدت في سلة فواكه الأخ العزيز أبي نواف ، ولعل هذه الثلاثية تتوالد منها أنماط أخرى من المشاعر لكنها لا تخرج عن إطارها ، وربما تشب مواضيع أخرى عن هذا الطوق الإبداعي المتميز . إنها ثلاثية صنعها الشجن ، وصقلها التأمل ، وصاغها الجمال هدية لكل إنسان ، وأراني ناصحًا أخي العزيز بالاطلاع على المزيد من الكتب التي تنمي هذه الملكة لديه ككتاب رسائل الزمان في فلسفة الحزن والجمال للراحل مصطفى صادق الرافعي أو وحي القلم ، ليتماسّ مع الفكرة ويضفي عليها بأسلوبه هو ما يميز العمل الذي يكتبه عن غيره . ونسأل الله له التوفيق ولكل أبناء المنتدى الجميل دون استثناء .

أنتِ ..يا من تقفين هناك بين مواجعي وجروحي
الغائرة لترحلي فلم تعد بي رغبة للبكاء

تبدأ القطعة باستخدام ضميرًا للمنفصل وهو أنت ، ومعروف أن الضمير هو أعرف المعرّفات لذلك لا يأتي معه استخدام حروف النداء . ومن هنا استخدم مبدعنا العزيز ضمير المنفصل بغرض النداء .هنا نلاحظ أن استخدام ضمير المنفصل جاء ليعبر عن حال الانفصال بين الطرفين ، ولقد دعم ذلك التوجّه وجود النقطتين .. وهاتان النقطتان تحدثان سكتة تشابه حالة الإشاحة بالوجه أو إغماض العينين ثم هوء الزفير تعبيرًا عن عدم ارتياح لسبب مضمر. ولعل مجيء حرف النداء يا -وهو حرف إشارة للبعيد- جاء في أقل من سطر ليعزز حالة الانفصال والبعد المادي والمعنوي .الحرف (من) بعد النداء غالبًا يفيد حالة التنكير بما يستدعي محاولة تعريف المنكّر بسمة من سماته وهي (تقفين بين مواجعي)وغنيّ عن القول بأن هذه العبارة أدت بشكل غير مباشر مدلول الغدر ،فبدلاً من أن يقول لها أيتها الغادرة استخدم هذه الطريقة للتوبيخ .زاد عليها بعد ذلك كلمة هناك ليشير إلى تباعد تام سواء في الوجود المادي أو المعنوي. ويُعَد إلباس الشيء المعنوي لبسة الماديات دليلاً على هذا التباعد النفسي الذي جعل المبدع يرى كل شيء حوله وكأنه مادي بحت لا طريق فيه لجوانب ملموسة ترقى بالوجدان . تعبير تقفين هناك بين مواجعي ميّزه أنه أعطى تصويرًا للمواجع بأنها قتلى أو جرحى يقف الطرف الآخر فوقها شماتة وسخرية .وهذا حين نربطه بسياق الموقف فإنه ينم عن حالة من المغالبة للموت ،ومحاولة للصمود إذ أن الذي يقف بين الأوجاع هو منتصر ،والمنطق يقتضي أن يكون الرجل وهو المنهزم في حالة استسلام ، لكن الألفاظ التي استُخدِمت عبرت عن حالة مغالبة ومقاومة هي الملهِبة للنص عندما نربطها بالعنوان الذي يُعتبر (ثوريًا ) في مملكة النفس . جملة جروحي الغائرة أظنها تعبيرًا أجوف أي أنه للوهلة الأولى يعطي الانطباع بأنه شيء ذو معنى لكن إذا دققت لم تجد شيئًا ذا بال ، فالجراح حينما تشبّه بالإنسان غائر العينين فإنك تتساءل وكيف يُمكنُِ تصور الجرح بجزء من الإنسان وهو العينان الغائرتان ؟ إنه تشبيه يؤدي إلى الاستحالة والتميّع . تأتي بعد ذلك حالة المغالبة بارتفاع الإيقاع إيقاع الحالة النفسية من خلال استخدام اللام لام الأمر ،والذي يعبر عن صرخة عميقة في كلمة لترحلي،والتي تفيد استمرار النهج (الثوري) على وجود هذه الأنثى .ويأتي تعبير رغبة للبكاء ، موضحًا حالة من الوجود الوظفي للمرأة ،فكأنها هي أداة إبكاء وتكدير فحسب . وفي هذا إشارة إلى جانب نفسي خفيّ وهو حب العزلة . هناك حالة من حالات الإنسان غير السوي في علم الصحة النفسية والإرشاد النفسي يكون فيها محاولاً استدرار عطف الآخر من خلال ادعائه الضعف أو الإرهاق .والنص هنا بسخريته يشير إلى حالة انتفاضةعلى الذات

...
أشتاق رحيلك عن صهوة أحلامي
أشتاق لأنتزعني منك
وأركل كل لياليك الساكنة في أبجديات المساء


نأتي للتعبير صهوة أحلامي وكان ذات درجة عالية من التجسيد
والفانتازيا إذ يقترن الملموس بالمحسوس وتكون الأحلام خيلاً
يُركب (ولا أريد أن أقول حمارًا يُركب)
ثم يأتي التعبير أشتاق كعامل مشترك بين شيئين يترتبان على بعضهما البعض:
التحرر (أنتزعني منك) وصفاء الرؤية (ارى كل لياليك الساكنة في أبجديات المساء)
كان التعبير أنتزعني -وكثيرًا ما كررت ذلك- مكررًا يعبر عن أن الاحتلال إذ تغدو الذات
مستلَبة لدى الآخر بشدة مما يستدعي معركة داخلية لإعادة الاستيلاء عليها مرة أخرى.
وكأنني إزاء معنى غير اعتيادي يحلق في هذا السطر إذ أن المبدع أو من تتحدث على لسانه
كان يقصد أنه قمر هذه الليالي لأن هذه الكاف في كلمة لياليك تعبيرًا عن ذاته المستلبة التي
استدعت التعبير أنتزعني .لكني لا أستطيع استيعاب دلالة كلمة أبجديات المساء ،ربما هي
تعبير عن أول المساء وجمال شكل الغروب قبل أن يوغل في الظلام .
...


سأرفع روحي عنكِ
وأصنع جبلا بيني وبين زمنك
حتى يصعب على غرورك التافه أن يتسلقني

كانت تعيبرات مكثفة في شكل ومضة وكأن بثقة عليها تختبئ بين هذه الحروف
وأعجبني للغاية تصاعد الحالة والتوتر الذي عبرت عنه بزيادة الكلمات في
كل مقطع .تعبير أرفع روحي عنك كان ما يميزه أنه عبر عن سقوطها وخوفه على
نفسه من السقوط في مستنقعها وليس المستنقع هنا بالمعنى الأخلاقي .
تعبير جبل بينني وبين زمنك ما ميزه بشدة هو التعبير عنها بشكل غير مباشر كأنها
هي بنفسها زمن يُرتجى الهروب منه .كذلك تعبير غرورك التافه أن يتسلقني كان
تعبيرًا مميزًا بالتجسيم ،كان وجود كلمة التافه مناسبًا للتعبير عن فروغها من أية مزية.
كذلك تستمر آليات الرفض ليعبر عن نفسه بأنه جبل بشكل غير مباشر .للمبدع سمة
الجبل في الصلابة ولها سمة الزمن في التميّع .

...

سأنعيك وأكتب في مرايا الوجع :
إمرأة تحترف الغدر
وأكتبني :مجنون يحترف فن الغباء


ومضة قوية للغاية وكان التعبير سأنعيك قويًا مفيدًا السخرية
وكان لفظ فن الغباء نافذًا في التعبير عن مدى الخطأ .
وكان تعبير مرايا الوجع يقصد به الأوراق وهذا تعبير رائع
للغاية

...


لم أعد أرغب بالبقاء
فلقد اخضوضبت صباحاتي بلونٍ لا يعجب الأبرياء
واعتصرت من صقيع الليالي قوة لأنتزعني منك
لا
لم يعد بي رغبة للإنتحار
فلقد أمطرت الخيانة جحيما
ومعزوفة للبكاء

هنا كان في النص بعض التقفية (استخدام القافية) وكان إضافة جيدة للعمل خاصة في مجيئها
على فترات متقطعة وليس منتظمة وكانت الاستخدامات المجازية زائدة بشكل مرهِق للقارئ.
إذا كان العمل الأدبي تعبيرًا عن خلجات النفس ومشاعرها إلا أنه ليس حالة من الإغراق
في بحر المجاز .أعجبني للغاية وجود التعبير اعتصرت من صقيع الليالي قوة لانتزعني منك.
هذا التعبير أفاد شدة المغالبة للاستقلال والبعد عن المحبوبة الغادرة.
مجيء الأداة لا ، بعد لم كان جيدًا ليعبر عن نفي مطرد ومجيئهما يجعل المتلقي يشعر
بأن المبدع أو من يتحدث المبدع على لسانه يتخيل صوت الطرف الآخر مما يجعله يستحضر
أدوات النفي والجزم . مجيء لا وحدها كان جيدًا لأنه أعطى فاصلاً زمنيًا للتنهيدة .
كانت الأسطر الثلاث لم يعد بي رغبة ....للبكاء أراها كانت مكررة دل عليها ما سبقها .
...

فدعيني إذا ألملم لحظاتي الشاردة
وأطفئ شموع الوفاء
وأتوغل في غابات جرحي
وأحفرني أنهرا من دموع
أو ارحل نيزكا من فضاء


لحظاتي الشاردة تعبير عن الفرحة التي لم يتمتع بها كان يميز هذا التعبير
القدرة على استخدام الملموسات للتعبير عن المحسوسات .
وكانت الأسطر الأربعة من بعدها قريبة من الشعر .رغم تناقضها عن بعضها
إلاأن الذي كان جيدًا فيها هو السطر الأخير أرحل نيزكًا من فضاء، ليعبر عن
حالة من البعد عن المحبوبة والمعالجة الجذرية للقضية كما أنه عبر عن
شدة الضيق حتى ضاق به كوكب الأرض .

...


أنا.
لا..
أ
ح
ب
ك

النهاية كانت جيدة للغاية ، أجمل ما فيها هو هذا التقطيع للحروف
بما يشابه حالة تقطع الأنفاس أو تهاوي الأمل واحدًا بعد الآخر .
وهذا العامل المتعلق برسم الكلمة يندرج تحت ما يسمى بجماليات
التشكيل المكاني في النص ..عبرت بهذه الطريقة وبروعة على
المغالبة حتى اللحظة الأخيرة.حتى كأن في كل صوت ينطق نفَس
يودّع الدنيا .

فهاتي سكينا لأحلف فوق دمائي وأصرخ للكون
أنا
لا
أحبك ولا رغبة لي بالبقاء


تعبير لأحلف فوق دمائي كان جيدًا معبرًا عن الذبح أو القتل
ليقسم على أنه يكره من تدعي حبه.
أجمل ما في هذا السطر والأسطر التي احتوت الأداتين لم ،لا
هوأنه يجعل القارئ يشعر بحالة من الوشوشة الداخلية التي
تناقض ما يقوله وتحاول إقناعه بصدق ما يقوله الطرف الآخر
مما يزيد الاستثارة لديه ويجعله ينطق هذه الكلمات .
ولا أعرف آلبقاء تقصد أم البكاء ؟ هنا يكون البقاء مرادفًا
للبكاء أو يكون البكاء بسبب البقاء وحينئذ يكون وجود المحبوبة
هو العنصر المشترك كصانع لهذين العنصرين من عناصر المعاناة.


عمل رائع أحييك عليه وأرجو لك التوفيق (إلى مشروع صناعة مبدع دُر)


__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 29-12-2009 الساعة 11:30 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس