عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-07-2009, 05:39 PM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,032
إفتراضي الدولة فى الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
هذا كتاب الدولة فى الإسلام :
الدولة:
إن الدولة فى عرف الناس تتكون من الأمة والوطن والحكومة وهم يعرفون العناصر الثلاثة حسب رأيهم كالأتى :
"الأمة أو الشعب جماعة من الناس تقطن إقليما بعينه وترتبط به بشكل أو بأخر سواء كانت هذه الجماعة تتكلم لغة واحدة أو عدة لغات أو تمت إلى أرومة واحدة أو تنحدر من أرومات عدة أو تدين بدين واحد أو عدة أديان والأساس هو انتماؤها لذاتها واشتراك أفرادها جميعا فى عنصر المواطنة ورعوية الدولة التى ينتمون إليها سواء كانوا يقيمون بها أو يقيمون بعيدا عنها ما داموا ينتمون إليها وتعدهم من رعاياهم "و"أما الوطن أو الإقليم فهو نطاق من الأرض محدد المعالم وهو فى الأصل موطن هذه الأمة ومنتجعها لها أرضه وما تكنه من ثروات مدفونة وبحيراته وأنهاره وأجواء سمائه ومن مياه البحار والمحيطات ما يحيط به فى حدود المجال البحرى الذى تجتمع الدول على الاعتراف به بالنسبة لها ولغيرها"(كتاب الإسلام والسياسة :حسين فوزى)
" وأما الحكومة فهى التنظيم السياسى الذى يقوم على أمور الوطن ويرعى شئون المواطنين ويضع القوانين ويكفل تنفيذها داخل حدود الوطن "(المصدر السابق)
هذا التعريف للدولة يخالف الإسلام فى الأتى :
-إن الأمة تدين بعدة أديان فالأمة فى الإسلام أمة واحدة مصداق لقوله تعالى بسورة الأنبياء:
"وإن هذه أمتكم أمة واحدة "
ومن ثم فدين الأمة فى الدولة الإسلامية دين واحد هو الإسلام ومن ثم فالتعبير الصحيح هو سكان الدولة الإسلامية يتكونون من أفراد يدينون بأديان متعددة .
-أن الأمة تقطن إقليما بعينه فالأمة فى الإسلام تقطن أقاليم عديدة وليس إقليما واحدا والمراد أن وطن الدولة الإسلامية ليس له حدود ثابتة لأسباب عدة منها دخول الناس أفواجا فى دين الله فمعنى دخول هذه الأفواج هو دخول أراضيها ضمن الدولة الإسلامية ومنها غزو الدولة الإسلامية لدولة معتدية عليها ومن ثم تصبح أرض هذه الدولة المعتدية ضمن أرض الدولة الإسلامية ولذا فإن الله جعل الأرض كلها ملك للدولة الإسلامية فقال بسورة الأنبياء:
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "
وقطعا تدخل ضمنها نتيجة اعتداءات الدول الكافرة عليها ورد الدولة الإسلامية العدوان وأخذها أراضى تلك الدول البادئة بالعدوان.
-أن المسلمين أو الذين يعيشون فى خارج الدولة الإسلامية من غير المسلمين رغم أن موطنهم الدولة الإسلامية لا يسمون رعايا لها فليس للدولة الإسلامية موالاة هؤلاء أى رعايتهم ما داموا لم يهاجروا للدولة الإسلامية أو لم يطلبوا النصر على الكفار بسبب اضطهادهم وفى هذا قال تعالى بسورة الأنفال:
"الذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر ".
-أن الحكومة تضع قوانين أى أحكام لأن الحكومة فى الإسلام لا تضع قوانين أى أحكام لأن الأحكام موضوعة من قبل الله كلها حيث لم يترك قضية إلا وجعل لها حكم مصداق لقوله بسورة الأنعام :
"ما فرطنا فى الكتاب من شىء "
وقوله بسورة النحل:
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء ".
والحكومة تسمى حكومة لأنها تنفذ حكم الله كما تسمى إدارة أو التنفيذ وما تصدره يسمى قرارات أى أمور لأنه خاضع لقوله بسورة الشورى:
"وأمرهم شورى بينهم "
ونعود للقرآن لنرى أن ما جاء فيه من ألفاظ مأخوذة من كلمة دال هى نداولها ودولة وجاءت أولهما بقوله بسورة آل عمران:
"وتلك الأيام نداولها بين الناس "
أى وتلك الأوقات نديرها بين الخلق والمراد أن كل قوم لهم وقت يحكمون فيه هو وقت انتصارهم على الأعداء وثانيهما بقوله بسورة الحشر:
"كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
أى كى لا يصبح المال حكرا على الأغنياء منكم والمراد أن توزيع الأموال حسب شرع الله سببه ألا يصبح المال جاريا فى سيره للأغنياء وحدهم ومن هنا نعرف أن الدولة فى الإسلام هى الحكم المحتكر من قبل قوم فكل دولة ليست سوى حكم ينفذه أهله المنتصرون على الناس الذين يعيشون معهم على الأرض الواقعة تحت سيطرتهم ومن ثم فالدولة الإسلامية هى حكم الله الذى ينفذه المسلمون فى الأرض الواقعة تحت سيطرتهم وقد أرسل الله رسوله (ص)لإقامة الدولة فقال بسورة التوبة:
"هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "
فإظهار دين الحق على الأديان كلها معناه نصر حكم الله على الأحكام وهى الأديان الأخرى كلها التى يعتنقها البشر سواء سموها أديان أو مذاهب أو دساتير أو قوانين أو أعراف أو غير هذا وقد سمى الله ذلك تمكين دين الله فى الأرض فقد وعد الله المؤمنين العاملين للصالحات ليستخلفنهم فى الأرض أى يحكمهم فى الأرض بحكمه وفسر هذا بأنه يمكن لدينه أى بأن يحكم حكمه الذى ارتضاه لهم وفى هذا قال تعالى بسورة النور "وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى "
وسماه الحكم بين الناس بعلم الله وهو حكمه فقال بسورة النساء "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله "وقد جعل الله الحكم له وحده وهذا معناه أن الإسلام وحده هو الذى يحكم الدولة أى الناس الذين يعيشون على أرضها وفى هذا قال بسورة يوسف:
"إن الحكم إلا لله "
وقد طالب الله كل المسلمين أن يحكموا بحكم الله والمراد أن ينفذوا كل ما أراده فى الوحى منهم عليهم أو على غيرهم وفى هذا قال بسورة المائدة
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "
وقال :
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون "
وقال:
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ".
وقد جعل الله للمسلمين حكام أى أولى أمر يديرون الدولة فقال بسورة النساء "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "
وقال :
"ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "
وقال بسورة البقرة:
"وتدلوا بها إلى الحكام "
إذا الدولة عبارة عن وقت انتصار المسلمين على الأعداء بما يجعلهم يحكمون الأرض حسب دين الإسلام وهذا يعنى أن الدولة الإسلامية تحيا وتموت فحياتها هى وقت تحكيم دين الله فيها وموتها وقت هزيمتها عندما تحكم بغير دين الله فمثلا فى عصر الرسول (ص)كانت حية وهى الآن وقت الكتابة ميتة حيث يحكم المسلمون بغير حكم الله وإن شاء الله ستحيا فى المستقبل وستموت وهكذا وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران:
"قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء "
فإيتاء الملك للمسلمين هو وقت انتصارهم ونزع الملك منهم هو وقت هزيمتهم وكذلك الحال لكل أصحاب دين ومن هنا نعلم أن الدولة الإسلامية تسمى مملكة وسلطنة وإمارة ويسمى مالكها ملك وسلطان وخليفة ورئيس وأمير ولكنها ليست وراثية وكلها أسماء تعنى الحاكم بحكم الله .
إدارة الأمر :
يقصد بها الطريقة المتبعة فى إصدار الحكم فى النظم الأخرى وأما فى النظام الإسلامى فهى الطريقة المتبعة فى إصدار القرار الإختيارى الذى أباح الله اختياره من عدة اختيارات ونظم الحكم كلها فى القرآن تنقسم لنوعين :
1-إدارة الأمر من قبل الملأ وهم صفوة المجتمع الغنى بألفاظ عصرنا وبألفاظ القرآن أكابر البلدة والمترفين والسادة والكبراء والملأ وفيهم قال بسورة الأنعام:
"وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها "
وقال بسورة الأحزاب:
"وقالوا ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا "
وقال بسورة الإسراء:
"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها "
وقال بسورة الأعراف:
"قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا "
وهذا ما يسمى بنظام الأتباع والمتبوعين حيث توجد قلة تصدر الأحكام التى يتبعها الباقين وهى دائما الأغنياء ولها أشكال هى :
أ-حكم الملأ الجماعى ويمثله فى القرآن الملأ من قوم سبأ حيث أن الملكة لا تصدر حكما أى أمرا إلا بعد شهود أى إشارة الأخرين وهم الملأ عليها وفى هذا قال على لسان الملكة بسورة سبأ:
"قالت يا أيها الملأ افتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ".
ب-حكم الملأ الفردى ويمثله فرعون فهو الحاكم للملأ بدليل قوله بسورة غافر:
"قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "
وهذا الشكل لا يعنى أن الفرد وحده هو الذى يصدر الأحكام والقرارات كلها ولكنه يصدر الكثير منها بدليل أن فرعون نفسه طلب من الملأ أن يأمروه بما يفعل مع موسى (ص)فقال كما بسورة الشعراء:
"قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ".
هذان الشكلان هما الموجودان عبر العصور فالحكم الجماعى للملأ يسمونه الحكم النيابى والبرلمانى وحكم الحزب الواحد أو الأحزاب المتعددة والحكم الفردى وهو ما يسمونه الحكم الرئاسى سواء سمى الرئيس رئيسا أو ملكا أو أميرا أو غير هذا ورغم هذا فليست الفروق بين الشكلين واسعة .
2- إدارة الأمر بالشورى وهى إصدار القرار بالمشاركة من كل المسلمين فهم يشتركون فى إصدار القرارات الخاصة سواء كانت عامة تخص الكل أو البعض أو خاصة تخص فرد أو أسرة وفى هذا قال تعالى بسورة الشورى:
"وأمرهم شورى بينهم"
أى وقرارهم مشترك بينهم ومثال الشورى العامة اختيار الخليفة حيث يشارك فيه كل المسلمين ومثال الشورى الخاصة اختيار زوج للأنثى فهذا يشارك فيه الأنثى وولى أمرها وأسرتها وحدهم وقال تعالى للنبى (ص)فى سورة آل عمران:
"وشاورهم فى الأمر "
أى وأشرك المسلمين معك فى القرار وهذا يعنى أن رئيس الدولة ليس سوى واحد ممن يتخذون القرار والشورى تكون فى الأمر وهو القرار الذى يتم اختياره من بين عدة قرارات كلها أباحها الله .
اختيار الحاكم :
إن اختيار الحاكم وهو يسمى فى القرآن ولى الأمر والحاكم والملك والخليفة ونطلق عليه فى عصرنا الرئيس والزعيم والسلطان والأمير والقائد له فى القرآن طريقين :
-الطريق الإلهى وهو أن يختار الله إنسانا ما حاكما ومن أمثلته اختيار داود (ص)حيث قال تعالى بسورة ص :
"يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق "
واختيار طالوت حيث قال بسورة البقرة:
"إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا "
وهذا الطريق لم يعد موجودا .
-الطريق البشرى وله أشكال متعددة وهى فى القرآن :
أ-اختيار الحاكم لمن يخلفه كما اختار موسى (ص)هارون (ص)خليفة له فى بنى إسرائيل فى غيابه وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف:
"وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح " .
ب-اختيار القوم كما اختارت بنو إسرائيل السامرى حاكما لهم بدلا من هارون (ص)حيث ابتدع لهم دينهم الضال الممثل فى عبادة العجل ولم يخرج عن هذا الاختيار سوى هارون (ص)ومن معه وهم قلة وفى هذا قال تعالى بسورة طه:
"قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى ".
ج-اختيار الشورى وهو إشراك المسلمين فى اختيار حاكمهم تطبيقا لقوله بسورة الشورى "وأمرهم شورى بينهم "وقد وضع الله لهذا الاختيار قاعدة فى بداية الدولة الإسلامية وهى أن السابقين للإسلام والقتال فى سبيل الله يختار الحاكم من بينهم فقط وأما من أتوا بعدهم فلا يحق لهم تولى الحكم حتى يموت كل السابقين للإسلام والجهاد وهذه هى الدرجة التى قال الله عنها بسورة الحديد:
"لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى "
والذى يجعلنا نقول بهذا هو أن الله ساوى بين المجاهدين جميعا بعد الفتح وقبله فى الدرجة فى الجنة حيث قال بسورة النساء:
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
ومن ثم درجة سورة الحديد شىء دنيوى وهو وجوب اختيار الحكام من بين المجاهدين الأوائل وأما بعد موت الأوائل فيحق لكل مسلم أن يختار أى مسلم عالم بالإسلام حاكم .
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس