عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-06-2009, 05:53 PM   #31
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الحرب العراقية الإيرانية وأثرها على مسار القضية الفلسطينية

إذا كان عقد السبعينات من القرن العشرين قد عزل مصر عن محيطها القومي، فإن عقد الثمانينات من القرن نفسه مهد لعزل العراق عن محيطها القومي وتقليل أثرها فيه. وفوق ذلك أدخل تعقيدات جديدة خلطت الألوان في السياسة العربية الرسمية وأدخلت التشويش على الساحة الشعبية العربية.

فقد كانت بغداد بمؤتمر القمة التاسع في 2/11/1978، قد حشدت العرب ليقفوا ضد اتفاقية كامب ديفيد، ولينقلوا مقر الجامعة العربية من القاهرة الى تونس، ليقرر ذلك الرد بحسم واضح للإرادة العربية الرسمية والتي توافقت مع الإرادة الجماهيرية العربية.

لكن، الحرب العراقية الإيرانية، والتي اصطف العرب رسميا فيها بدرجات متفاوتة بين التأييد الكامل (كما فعلت مصر والأردن واليمن ودول الخليج العربي) وبين رفض كامل كما فعلت (سوريا). هذا الوضع شتت معايير الرفض والاعتدال، وشوش قدرة المثقف العربي على تصنيف ما هو ثوري وما هو غير ذلك، ليؤثر بدوره على تعميق النهج الذرائعي في أوساط السياسيين ومنها الفصائل الفلسطينية.

ذرائعية العرب مقابل ذرائعية إيران

لم يكن الخطاب العقائدي العربي ذو الصبغة القومية، ينظر الى دول مثل الأردن ودول الخليج نظرة متسامحة بل ومتحالفة كما كان عليه الوضع في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تكن مصر لتعود بتلك السرعة الى الحظيرة العربية، بل وتكون أحد أطراف شكل وحدوي مع العراق والأردن واليمن لولا تلك الحرب.

وإن كانت مبررات هذا التسامح من طرف العراق تتعلق بالإمدادات (اللوجستية) الضرورية لتحقيق الانتصار أو تحقيق أهداف الحرب، فإن إيران هي الأخرى قد سبقت العرب في المنهج الذرائعي (البراجماتي) لتحقيق أهدافها، وهذا الوضع يمتد الى أعماق التاريخ حيث تحالف الإيرانيون مع اليهود الذين سباهم (نبوخذ نصر) لينقضوا على احتلال العراق، كما تحالفوا مع البرتغاليين ليكون لهم وضع سيادي في الخليج العربي، كما استعانوا بالكيان الصهيوني في حربهم مع العراق (فضيحة إيران ـ كونترا).

الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم يكونا بعيدين


تعلم الولايات المتحدة كما يعلم الكيان الصهيوني الثقل الذي تشكله مصر في المجموعة العربية، وهما إن عزلاها في اتفاقية (كامب ديفيد) لم يكونا يريداها أن تكون قليلة التأثير في الأوساط العربية، فهما يريدانها أن تكون صديقا له كلمته في تحقيق أهدافهما، وعزلها بمؤتمر بغداد لن يجعلها تمارس مثل هذا الدور، لذا تم تكليفها بدور أساسي في القيام بتزويد المقاتلين العرب والأفغان في طرد الاتحاد السوفييتي من أفغانستان. وقد تم غض النظر عن معاونتها لبغداد في حربها ضد إيران لتضرب عصفورين بحجر واحد: العصفور الأول إعادة مصر للحظيرة العربية بقوة لتلعب أدوارها فيما بعد وفق ما يتلاءم مع الأهداف الأمريكية والصهيونية، والعصفور الثاني هو إطفاء صفة الحدية والثورية عن العراق، تمهيدا لعزله فيما بعد، بالإيحاء للمراقبين أن العراق قد دخل في دائرة التحالف الغربي وأصدقاءه العرب.

وقد حاولت الولايات المتحدة أن تزيد من إيهام الرأي العام العربي أنها متحالفة مع العراق في حربه مع إيران، علما بأن علاقاتها الدبلوماسية مع العراق كانت مقطوعة منذ أكثر من اثني عشر عاما، وأن تسليح العراق كان 96% من مصادر غير غربية، في حين كان 4% منها غربية بما فيها فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة.

من جانب آخر، يبدو أن الغرب كان قد أصبح غير متيقن من ولاء إيران له، خصوصا بعد إبعاد عملائه (أبو الحسن بني صدر) و (صادق قطب زاده) فأراد أن يجعل من الحرب العراقية الإيرانية فخا يقع فيه البلدان لأطول مدة ممكنة لإنهاكهما وتجنب ما قد يأتي منهما من أذى.

ولا بد من الإشارة الى أن طرد السفارة الصهيونية من طهران وإحلال سفارة لفلسطين محلها قد زاد من هذا التشويش الحاد في استيضاح الصورة.

الفصائل الفلسطينية تتبع الهيكل الرسمي العربي

كان لملاحقة المقاومة الفلسطينية من مواقعها من حدود فلسطين وإبعادها من الأردن ومن ثم من لبنان الى اليمن وتونس، واختلاط الأوراق والخنادق في الساحة العربية الرسمية، الأثر الأكبر في هبوط أحلام الفصائل الفلسطينية بتحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح.

كما أن ارتباطات القيادات الفلسطينية بالجسم العربي، مستمدة منه التشجيع بالمال أو الإعلام أو الرعاية للفلسطينيين الذين كانوا موزعين في أكثر من قطر عربي، ولهم من المصالح والعلاقات التي تتماس مع أداء تلك الفصائل، أثر ذلك على تكييف الموقف الفلسطيني و تعامله بشكل غير حاد مع المشاريع المطروحة.

انهيار المجموعة الاشتراكية وحرب الخليج الثانية

ما أن جاء عام 1985 حتى بدا للعالم أن الكتلة الاشتراكية مقبلة على تفتت وانهيار كبيرين، وأخذ العالم يهيئ نفسه للتغييرات المتوقعة بأي لحظة، وما أن أعلن ريغان انتصار الرأسمالية، وجاء بعده (بوش) ليبشر بالعالم الجديد، حتى أخذت أحلام الكثيرين في المنطقة بالخفوت والتلاشي.. وبعد خروج العراق من الكويت، اتضح أن كثيرا من العرب الذين كانوا يستحون من التعبير عن تفكيرهم في التصالح مع الكيان الصهيوني أنهم كانوا على تواصل دائم معه وبالسر.. ومن هنا تداعت الأقطار العربية الى مدريد في نهاية عام 1991..

وليتبين بعدها أن هناك جهدا يبذل في (أوسلو) ليعلن على الملأ بشكل اتفاقية أوسلو ..

وهذا ما سنتناوله في المرة القادمة
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس