عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-05-2009, 05:38 PM   #6
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ويصف ليكى فى كتابه ((تاريخ أخلاق أوروبا)) ما وصلت إليه الرهبانية يقول :

(( زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة، وعظم شأنهم، واستفحل أمرهم، واسترعوا الأنظار، وشغلوا الناس، ولا يمكن الآن إحصاؤهم بالدقة، ولكه مما يلقى الضوء على كثرتهم، وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح خمسون ألفاً من الرهبان، وفى القرن الرابع المسيحى كان راهب واحد يشرف على خمسة آلاف راهب، وكان الراهب ((سرابين) يرأس عشرة آلاف، وقد بلغ عددهم فى نهاية القرن الرابع عدد أهل مصر)) ..


وكيف يقوم مجتمع وأسرة وكيان إقتصادى منظم .. كان نتيجة هذه الرهبانية أن خلال القوة والمروءة التى كانت تعد فضائل، عادت فاستحالت عيوباً ورذائل. وزهد الناس فى البشاشة وخفة الروح، والصراحة، والسماحة، والشجاعة والجراءة، وهجروها. وكان من أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم الحياة المنزلية، وعم الكنود والقسوة على الأقارب. فكان الرهبان الذين تفيض قلوبهم حناناً ورحمة، وعيوبهم من الدمع، تقسو قلوبهم وتجمد عيونهم على الآباء والأمهات والأولاد. فيخلفون الأمهات ثكالى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، عالة يتكففون الناس، ويتوجهون قاصدين الصحراء، همهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم فى الآخرة، لا يبالون ماتوا أو عاشوا. وحكى (ليكى) من ذلك حكايات تدمع العين وتحزن القلب ..

ونعود لـ "الإسلام ومشكلات الحضارة" فيقول سيد قطب عن حضارة الإنسان وتخبطها الفكرى من نظام لآخر بحثا عن هذه المدينة الفاضلة التى داعبت خيال الإنسان القديم :

ومن الرق الروماني الشهير. إلى الإقطاع . إلى الرأسمالية. إلى الماركسية والنازية .. غلو فى طرف يعالجه غلو آخر فى الطرف الآخر.. وظلم لطبقة يعالجه ظلم آخر لطبقة أخرى.. واعتداء على ((الإنسان)) وخصائصه الأساسية فى النظام الآخر.. ولا يعتدل الميزان مرة واحدة بالعدل بين الطبقات كلها، والتناسق بين طاقات الإنسان كلها، وإتاحة المجال ((للفردية)) التى يتميز بها كل فرد، مع رعاية حق ((الجماعة))) الممثلة لخصائص الأفراد جميعاً، فى تناسق واعتدال .. الأمر الذى لا يتوافر إلا فى منهج الله ..

ولم يكن بد وقد رفض الإنسان تكريم ربه له، فاعتبر نفسه حيواناً – وقد أراده الله إنساناً – وجعل نفسه آلة – وقد أراده الله مهندساً للآلة. بل جعل الآلهة إلهاً يحكم فيه بما يريد. وجعل المادة إلهاً يحكم فيه بما يريد. وجعل الاقتصاد إلهاً يحكم فيه بما يريد – وقد أراد له ربه أن يكون سيد المادة، وسيد الاقتصاد. ولكنه رفض هذا التكريم كله لينجو فقط من الكنيسة، ويشرد من إله الكنيسة !

لم يكن بد وقد جعل الإنسان من المرأة حيوانأً لطيفاً – كما أن الرجل حيوان خشن – غاية الالتقاء بينهما اللذة، وغاية الاتصال بينهما المتاع. ونسى أن الله يرفع هذه العلاقة ويطهرها ويزكيها، وينوط بها امتداد الحياة من جهة، وترقية الحياة من جهة أخرى، ويربط بها عجلة التمدن الإنسانى، ويجعل من الأسرة محضن المستقبل، ويجعل من المرأة حارسة الإنتاج النفيس.. نتاج المادة الإنسانية.. ويصونها من التبذل كى لا تكون مجرد أداة لذة. ويصونها من الاشتغال بإنتاج المواد فى المصنع، وهى فى الأسرة تنتج وتحرس مادة ((الإنسان)) ..

لم يكن بد وقد أقام الإنسان نظامه على الربا – ليكد القطيع البشرى كله فى خدمة بضعة آلاف من مؤسسى البيوت المالية وبنوك المرابين، تعود إليهم حصيلة كد البشرية فى أقاصى الأرض، وهم قابعون وراء المكاتب الفخمة، والنظريات الاقتصادية، وجميع أجهزة التوجيه والإعلام !



إن المدنية الأوروبية لا تجحد الله البتة، ولكنها لا ترى مجالاً ولا فائدة لله فى نظامها الفكرى الحالى.. فقد اصطنعت فضيلة من العجز الفكرى فى الإنسان – أى من عجزه عن الإحاطة بمجموع الحياة – وهكذا يميل الأوروبى الحديث إلى تلك الأفكار التى تقع فى نطاق العلوم التجريبية ، أو تلك التى ينتظر منها على الأقل أن تؤثر فى صلات الإنسان الاجتماعية بطريقة ملموسة.. وبما أن قضية وجود الله لا تقع تحت هذا الوجه ولا تحت ذاك، فإن العقل الأوروبى يميل بداءة إلى أسقاط الله من دائرة الاعتبارات العملية.
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس