من المعروف أن العديد من الأشياء تكتسب قيمة رفيعة في العمل الأدبي من خلال تبادلها الأدوار والمواقع ، فأنْسنة الأشياء (إعطاؤها سمة الإنسان ) وإعطاء الإنسان أوصاف الأشياء والكائنات الحية الأخرى من شأنهما أن يبرزا زوايا متعددة للنظر إلى المواضيع المختلفة كما أن ذلك يصنع عالمًا آخر يتعامل معه المبدع والمتلقي كأنه حقيقة واقعة ويتوقف هذا التفاعل من جانب المتلقي على كيفية قدرة المبدع على إقناع المتلقي بما يطرحه بين ثنايا الأسطر . وهذا ما يُطبق على هذا العمل الجميل ..
استل الليل سيفه يهتك عذرية النهار
دونما موعد ..
ميّز هذه الجزئية التجسيد وهو إعطاء الليل صفة القرصان ممثلة في الهجوم والهتك (ويقصد بهما في العمل دخول الليل بسرعة ) بينما النهار يأخذ صفة المرأة العذراء ، ومثل هذه التعبيرات توضح فلسفة الشاعر في استمداد عناصر الخيال من الجنس البشري ، وتجعل المرأة بالنسبة له عنصرًا للطهر الدائم بينما الليل عنصرًا معبرًا عن الهجوم والعنف اعتمادًا على لونيهما ، وميّز هذه الجزئية تكامل البيئة التشبيهية أو مراعاة النظير فالهتك والعذرية من معاني الذكورة والأنوثة ، وقد جعلهم االمبدع الغالي للنهار والليل مما يجعل القارئ يظن المبدع يرى هذا المجاز كأنه حقيقة لا شك في صحتها .
[COLOR="rgb(46, 139, 87)"] أتى هذه المره يسبقه حمحمة .. [/color]
تمتم النهار ...
ومفاصله ترتعد ..
يخسف في قلبه..
علامة استفهام بحجم السماء
[/color]
ميّز هذا الجزء تعبير حمحمة والذي يعبر عن كيفية استيحاء المبدع عناصر الشبه واستخدامها في العمل الأدبي ، فالحمحمة تعبير عن الرعد ووجه الشبه بينهما في هذا الصوت القوي ، وهذا يُحسب للمبدع ، كذلك يُحسب له أنه استخدم الأفعال المضعفة حمحمة ، تمتمة والتي تعبر عن حالة من التكرار في الحركة فالأفعال على وزن فعلل كما يرى ابن جني العالم اللغوي العظيم تفيد التكرار والحركة الزائدة للشيء . وهذا الاستخدام للفعلين كان يتناسب بشكل كبير مع عنف وسرعة حركة مرور النهار ودخول الليل والتمهيد للمطر من خلال البرق والرعد .
غير أن لفظة مفاصل لا يقابلها شيء في الحياة العادية ، لذلك كانت غريبة في العمل وغلب على المبدع الرغبة في إضفاء أكبر قدر من السمات الإنسانية ذات الطابع الحركي دون وجود علاقة بين المشبه والمشبه به . ماذا يقصد بالمفاصل في النهار ؟ ليس في شكل النهار شيء يشبه المفاصل.
علامة استفهام بحجم السماء : كان هذا تعبيرًا ذا طابع فانتازي تشكيلي جميل ، يعبر عن عبقرية فلسفة النهار حينما يكون إنسانًا يشعر بالقلق ، وهذا القلق له مبرره وهو الرعود القوية .
إن النهار يغدو ها هنا إنسانًا ، غير أن القلق الذي يعتريه -من شدته- تظهر علامة الاستفهام التي في قلبه ويكون باطنه أوضح من ظاهره ، فلا تكون حركة العينين ولا شكل النحيب بالعنصر الأوضح في الصورة بل علامة الاستفهام .إن هذا التعبير كشف عن حالة من القلق تختفي فيها كل الملامح ليظهر ما في القلب مختزلاً كافة التعبيرات الوجهية والحركية ، وكشف عن هذه (العذرية ) والتي انتهِكَت حتى بدت علامة الاستفهام الموجودة في قلبه وكأنه كان يناضل من أجل إخفائها .ولفظة بحجم السماء للتدليل على الاتساع هي لفظة من الألفاظ أو التعبيرات غير المباشرة والتي تزيد من قوة العمل وتجعل التصور الذهني له أبعد عمقًا .
لماذا أعلنت التمرد أيها الليل ؟!
ميّز هذه الجزئية أن بها ازدواجية ، فالخطاب يأتي من النهار أي أن السؤال يأتي على لسان النهار كما أنه يأتي من المتحدث عن الغائب إلى كونه المتحدث إلى الحاضر ، كما يأتي على لسان الليل ويعبر عن القهر الذي يعاني منه النهار ، إنها تلك الحالة التي يكون الليل شديد الحضور بما يجعل المبدع لا يراه إلا متمردًا ولا يكون معه النهار أو المتحدث إلا ضئيلاً ضعيفًا لا يملك إلا السؤال الاستنكاري الذي هو أقرب إلى الحالة الهامسة الحيية العاجزة عن الصراخ .
ظل يبحثُ عن اللا شيء ..
تجمد الزمن برهة ..
وأعلن زوال الضياء ..
استغرب الجميع
التعبير ظل يبحث عن اللاشيء عبر عن يأس الصباح من البقاء واللاشيء هو تعبير عن هذا الشيء الذي لم يستطع نيله وكان ذكاء استخدام هذا التعبير للتدليل على الغياب ، فكلمة اللاشيء هي المعادِل لكلمة الأمل أو الوجود \البقاء ، تعبير تجمد الزمن برهة ميّزه القدرة على إعطاء المحسوس (الزمن) سمة الملموس (التجمد ) وهذا يدل على شدة وقوة التجمد بما يجعله يستغرق الزمن ويفرض عليه سيطرته وسطوته .
التعبير أعلن زوال الضياء والتعبير استغرب الجميع أتيا تعبيرين ذوَيْ طابع مسرحي ، فيهما إشراك للجمهور وكأنه حضور لهذا العرض ، كأن الصباح والمساء عرض مسرحي يشاهده الجمهور وأعطى هذا التعبيران الحالة تكثيفًا تصويريًا اعتمادًا على الصورة الذهنية وتداعياتها في النفس .
ابتسمت السماء بسخريه ..
فعلمَ النهارُ
أنه قد حان موعدُ المَطر ..
هذا التعبير ابتسمت السماء بسخرية تجسيد يزيد من رونق العمل وكذلك إعطاءالنهار سمة الإنسان رغم أنهما من الصور الأكثر تداولاً والأبسط من حيث استمداد عناصر الخيال لكن كانت النهاية فاترة نوعًا ما ومباشرة بشكل يوحي بالفطرية الزائدة ، فدخول موعد المطر أمر مفروغ منه لكن كان ذكره صراحة ليس له داعٍ لأنه دلت الأسطر السابقة عليه ، كما أن العمل كان ذا طابع رمزي ، فلم يكن من المناسب معه أن تأتي النهاية مباشرة فجة .
عمل جيد أرجو لك التوفيق ودمت مبدعًا لا تحرمنا من مزيد عطاياك .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال
*** تهانينا للأحرار أحفاد المختار
آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 29-11-2009 الساعة 09:24 AM.
|