عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-05-2009, 06:20 PM   #2
سيدي حرازم يطرونس
المشرف العام
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
الإقامة: SDF
المشاركات: 1,056
إفتراضي

الكتاب الأول : (التسامح وجذور اللاتسامح).

وهو يتضمن عدة مساهمات شارك فيها الدكتور عبدالله إبراهيم ورضوان السيد وعبدالمجيد الشرفي ومحمد مجتهد شبستري ومحمد سبيلا ومحمد محفوظ وغالب الشاهبندر ومصطفى ملكيان وعبدالجبار الرفاعي ، ويوجز الدكتور عبدالله ابراهيم في بحثه مأزق مجتمع ا تنا بقوله: إن مجتمعاتنا مازالت رهينة حالة التباس معقدة، وقد وقعت في المنطقة السرابية التي تضخم الوعود، وتنفخ في المطلقات، ولا تلتفت لأي صوت يدعو لإعمال الفكر. التفكير الفلسفي لم تتوفر لـه بعد الشروط والسياقات، ليأخذ معناه وقيمته، وليؤدي وظيفته. يخفق الفكر والعاملون في مجالاته، حينما يطفون عائمين في سياق ضبابي من الرفض والعداء العام، الموجّه ضد زحزحة المسلّمات الكبرى، فتضيع الجهود مهما كانت قيمتها لأنها لا تنخرط في فعالية التغيير المطلوبة. وفي مجتمع مصادر، لا يمكن السماح بفكر الاختلاف، ولا طرح سؤال الحق، ولا إشاعة مفهوم الشراكة، وبما أن الفلسفة تعتمد على سلطة العقل والتفكير، بدلالتها المنفتحة والحرة، فليس لـها وجود في فضاء جرى تأميمه، ودمّرت كل المقومات التي يمكن أن تكون ركائز للفكر الفلسفي الحقيقي. لا تسامح بدون اختلاف، فالتسامح ثمرة مران طويل على قبول حراك الصورة والفكرة والمفهوم، وقبول استئناف النظر الدائم بكل شيء، وعدم الارتماء في منطقة المطلق، وقبول الذات بتغيراتها، والآخر بسياقاته الثقافية.التسامح ليس منّة أو هبة يتفضل بها أحد على غيره، إنه حق تنتزعه المجتمعات، حينما تنخرط بفعالية الاختلاف متعدد المستويات والمعاني.
فيما يشدد عبدالجبار الرفاعي على شقاء الوعي السلفي واثر ذلك في تشويه التدين وإنتاج صورة مشبعة بالكراهية والاكراهات حين يكتب : وهب الله الحياة للإنسان، فصارت مناط الاستخلاف والأمانة، وبالتالي المسؤولية، وارتكزت عليها وانبثقت منها كل مكاسب البشرية وإبداعاتها وتعبيراتها. وتحرص الاديان عادة على احترام الحياة، وربما تقديسها، وتتطلع الرسالات السماوية إلى تطهير الحياة من القلق، وبث الطمأنينة والسكينة في روع الانسان، عبر ترسيخ النزعة الروحية والأخلاقية، وتكريس المضمون الرمزي للعالم، والكشف عن مظاهر الانسجام والاتساق بين الانسان وما حوله، وتحريره من الاغتراب الكوني، ومن كل ما من شأنه أن يسلخه وينفيه من هذا الوجود.
غير إن الحياة تغدو لعنة، وأية محاولة للتشبث بها، والسعي لعمارتها، والتنعم بطيباتها، تصبح منافية للفهم السلفي للدين، ذلك الفهم الذي يتمحور خطابه على هجاء الحياة، وتمجيد الموت، ولعن المباهج، وأسباب الفرح والغبطة والمسرة، بل مسخ الذوق الفني، وتجاهل الأبعاد الجمالية في الكون. ان التعامل مع الحياة بهذا المنطق، هو مصدر الشعور بالإحباط والفشل، وهو الذي يقود الى العنف، والرغبة في تدمير الحياة، وتحطيم كل شيء ينتمي إليها. حين تهيمن ثقافة الموت على وجدان الانسان، تنطفئ جذوة الحياة في نفسه، ويفتقد القدرة على المساهمة في البناء، ولايتقن أية حرفة سوى تقديس الحزن، وصناعة الموت، فتندثر طاقاته، وتتعطل قابلياته، وتتبدد امكاناته ومواهبه بأسرها. وليس هناك درب يقودنا إلى الحياة، ويعيد قطاعات واسعة من الشباب إلى العالم الذي افتقدهم، سوى إشاعة فهم عقلاني جريء للدين، يخترق الأدبيات الجنائزية في تراثنا، التي تكثف حضورها في الخطاب السلفي اليوم،كما يخترق ما راكمته تجربة الاجتماع الإسلامي من اكراهات ومظالم وصراعات مختلفة، عملت على تبلور مفهومات وفتاوى مشبعة بتلوينات تلك التجربة. لقد باتت الحاجة ملحة إلى دراسة وتحليل منابع اللاتسامح، وبواعث العنف والكراهية في مجتمعاتنا، والاعتراف بأن الكثير منها يكمن في الفهم الخطأ للدين، والجهود الحثيثة للأصولية السلفية في تعميم هذا الفهم وتعزيزه. ومن الضروري عدم التوقف عند دراسة مضمون الخطاب، وإنما يجب تحليل خطاب الجماعات الأصولية، ودراسة الآليات الخطابية، التي تنتج العنف، وتمتدح الكراهية، ذلك إن اللغة ليست أداة محايدة في بيان المعاني، بل اللغة فى حراكها التواصلي والاجتماعي، كما تجسـدها النصوص، هي فضاء من الفضاءات الاجتماعية يخضع لحركية خاصة، ينبغي أن تحلل من داخلها. وعلى حد تعبير نيتشة، فإن كل كلمة هي عبارة عن حكم مسبق.
__________________
"Noble sois de la montaña no lo pongais en olvido"
سيدي حرازم يطرونس غير متصل   الرد مع إقتباس