عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-05-2009, 06:19 PM   #35
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

نتائج مدهشة



عرفنا أن الزمن مقدار متغير يتوقف على المجموعة المتحركة التى يشتق منها .. وأن كل زمن له مرجع هو حركة الجسم وحركة المجموعة التى يستنبط منها اساس تقويمه الزمنى ..

فإذا حدث وتغيرت حركة الجسم فإنه ينبغى أن يتغير زمنه ..

وبما أن الحد الاقصى لسرعة الحركة هو سرعة الضوء 186284 وهذا الرقم يمثل حدود معرفتنا والسقف الذى تقف عنده معادلاتنا وحساباتنا الرياضية ..

وما يقال عن الزمان يقال عن المكان ..

ويضرب أينشتين مثلا بسيطا لهذا الكلام فيقول :

أننا إذا تصورنا ساعة ملتصقة بجسم متحرك .. فإن هذه الساعة لا بد أن تسير بسرعة أخرى مختلفة عن سرعة ساعة ملتصقة بجسم ساكن كالجدار مثلا ..

وبالمثل فإن مسطرة تتحرك فى الفضاء لابد أن يتغير طولها تبعا لحركتها ..

وعلى وجه الدقة .. فإن الساعة الملتصقة بجسم متحرك .. تتأخر فى الوقت كلما زادت سرعة الجسم حتى تبلغ سرعة الجسم سرعة الضوء فتتوقف الساعة تماما ، والشخص الذى يصاحب الساعة فى حركتها لا يدرك هذه التغيرات .. وإنما يدركها الشخص الذى يلاحظها من مكان ساكن ..

وبالمثل تنكمش المسطرة فى إتجاه حركتها كلما زادت هذه الحركة حتى يتحول طول المسطرة إلى صفر حينما تبلغ سرعة الضوء ..

والتفسير بسيط .. إن الساعة التى تسير بسرعة الضوء لن يصل إلينا الشعاع القادم منها .. فهى بالنسبة لنا ستبدو متوقفة عند أوضاع العقارب التى شاهدناها بها أول مرة .. فإذا كانت تسير بسرعة عالية لكن اقل من سرعة الضوء فإن رؤيتنا للتغيرات على وجهها ستبدو دائما متخلفة .. وسنشعر أنها تؤخر ..

وبالمثل مسطرة تتحرك بسرعة الضوء فإننا لن نرى منها إلا نقطة .. إلا طول مقداره صفر .. فإذا كانت حركتها سريعة ولكن اقل من سرعة الضوء فإنها ستبدو اقل طولا مما هى عليه ..

أما بالنسبة للمسافر بهذه السرعة العالية فإنه لن يلاحظ أى تغير .. إن دقات قلبه سوف تبطىء ولكن ساعة يده سوف تؤخر .. وهو لهذا لن يلحظ أى تغير فى سرعة قلبه ..


ولكن الذى يلاحظه من على الأرض بتلسكوب مثلا سوف يكتشف أن يكبر ببطء ..

ولو قدر لواحد أن يسافر بصاروخ سرعته 167000 ميل ثانية مثلا .. ليقضى فى سفره عشر سنوات .. فإنه حينما يعود إلى الارض سوف يكتشف أنه كبر فى العمر خمس سنوات فقط ..

إنه يكبر ببطء لأن الزمن فى السرعات العالية يبطىء من إيقاعه لتصبح العشر سنوات خمس سنوات ..

أما إذا انطلق بسرعة أكبر من سرعة الضوء ولمسافة اكبر كأن يطير فى صاروخ إلى سديم أندروميدا وبسرعة خرافية بحيث يطوى هذه المسافة التى يقطعها الضوء فى مليون سنة يطويها هو ذهابا وإيابا إلى الارض فى 55 سنة .. فماذا يجد .. إنه يجد أن الأرض قد مضى عليها ثلاثة ملايين سنة فى غيابه .. لقد ابطا به زمنه وكاد يتوقف بينما ملايين السنين تطوى على الارض ..

وهو مجرد إفتراض طبعا لأنه لا احد يستطيع ان يتحرك بسرعة الضوء أو يتجاوزها .. ومستحيل على جسم مادى أن يخترق حاجز الضوء ..

لكن إذا تصورنا فرضا أن هذه المعجزة قد تحدث فإن هناك نكتة أخرى سوف تكون بإنتظار هذا المسافر العجيب .. فإنه إذا اخترق حاجز الضوء سوف يخرق حاجز الزمن فى نفس اللحظة ، فيبرح الارض اليوم ليعود إليها بالأمس بدلا من الغد .. سوف يتحول إلى مسافر فى الزمن الماضى .. فيسافر اليوم ويعود البارحة .. فيعثر على نفسه حينما كان فى ذلك اليوم الماضى ..وتتواجد منه نسختان لأول مرة فى آن واحد .. ويلتقى هو اليوم بنفسه وتوأمه البارحة ..

وهى ألغاز واحاجى تبدو كالهذيان وتخرق كل ما هو مألوف .. ولكن علماء الرياضيات لا ينظرون إلى المألوف ولا يستمدون علومهم من المألوف .. وإنما هم يعيشون فى المعادلات والحسابات والفروض .. والفيصل والحكم عندهم هى الارقام ..

ونحن لا نتصور كيف يمكن ان يبطىء إيقاع الزمن نتيجة الحركة ..

ولا نتصور كيف تتقلص أبعاد المكان بالحركة ..
والسبب هو التعود .. والأحاسيس المالوفة ..

فلم يحدث أن رأينا ساعة تؤخر بمجرد انها مثبتة فى قطار متحرك مثلا ..

ولم يحدث أن راينا مسطرة تنكمش فى إتجاه حركتها ..

والسبب أن السرع الأرضية كلها بما فيها سرعة الطائرات والصواريخ هى سرع صغيرة جدا بالنسبة لسرعة الضوء .. وبالتالى تكون التغيرات فى الزمان وفى المقاييس المترية طفيفة جدا جدا جدا .. ولا يمكن إدراكها بالحواس ..

فإذا أضفنا لهذا أن علم الطبيعة الكلاسيكية قد علمنا منذ الصغر أن الأجسام المتحركة تحافظ على أطوالها سواء فى الحركة أو السكون .. وأن الساعة تحافظ على إنضباطها سواء أكانت متحركة أو ساكنة .. فالنتيجة أننا نعيش سجناء .. أسرى آراء خاطئة .. وأحاسيس خاطئة .. تعمقت جذورها فينا يوما بعد يوم نتيجة الألفة ..

والعقل العبقرى وحده الذى يستطيع أن يمزق أستار هذه الألفة .. ويأخذ بأيدينا إلى حقيقة جديدة .. وهذا ما فعله أينشتين .. والنتيجة هى الدهشة وعدم التصديق ..

لأن الحقيقة تصدم حواسنا ..

ومن حسن الحظ أن العلم لم يتوقف عند مجرد الامثلة الخيالية والإفتراضات والمعادلات الجبرية وإنما استطاع أن يقدم دليلا ملموسا على صدق النسبية ..

استطاع "إيفز" سنة 1936 أن يثبت أن ذرة الأيدروجين المشع المنطلقة بسرعة عالية .. تطلق أشعة ترددها أقل من الذرات الساكنة ، أو بشكل آخر أن الزمن فيها ابطأ .. فتردد الموجة هو ذبذبتها فى الزمن ، وحينما نقول أن تردد الموجة يقل مع الحركة فإنه يكون مثل قولنا إن عقرب الساعة يتحرك على مينائها بطريقة ابطأ وأن زمنها يتأخر ..

وهكذا أمكن لأينشتين أن يثبت قصور رياضيات نيوتن وعدم كفايتها فى حساب السرع والأبعاد الكبيرة فى الكون الشاسع ..

وأثبت ماكس بلانك بالمثل قصور رياضيات الضوء الكلاسيكية وعدم كفايتها فى حساب العلاقات الدقيقة بين الابعاد الصغيرة جدا فى الذرة والفوتون ..

وكانت النتيجة هى النظرية النسبية كمحاولة لشرح ظواهر الكون الكبير ومعرفة علاقاته ..

والنظرية الكمية كمحاولة لشرح ظواهر عالم الذرة الصغيرة ومعرفة علاقاته ..

ولكن بين النظريتين فجوة ..

ولابد من محاولة ثالثة لربط النظريتين بقانون واحد ومعادلات واحدة حتى يتم ربط الكون كله فى إطار قانون واحد ..

فأينشتين عنده نظرية لا يريد أن يتزحزح عنها ..

أن الكون بسيط برغم تعدده .. وأن ظواهره الكثيرة برغم إختلافها وتناقضها فإن فيها وحدة ..

وهو يؤمن بهذه الوحدة إيمانا دينيا .. وهى تقوم فى ذهنه سابقة على أى برهان ..

وأكثر من هذا هو مؤمن بالمعنى التقليدى للمؤمنين فهو يعتقد فى إله ويعتقد أن الكون متسق ومنسجم .. وأنه آية من آيات النظام وأنه يمكن تعقله ..

وهو يرفض فكرة أن الكون فوضى .. ويرفض فكرة الصدفة والعشوائية ..

وهو فى عام 1925 يتقدم بنظرية "المجال الموحد" فى محاولة ليجمع شتات القوانين الطبيعية ويضمها تحت لواء قانون واحد ثم يعود فيستبعدها ويرفضها ..

إن الأمر اصعب بكثير مما تصور ..

وإذا عدنا للأساس الذى يبنى عليه أينشتين وحدة القوانين الطبيعية فإننا نرى أن اساسها عنده هو الضوء ..

فالضوء بسرعته الثابتة الواحدة خلال رحلته الأبدية فى أطراف الكون يضم أشتات الكون تحت لواء قانون واحد .. وفى نفس الوقت يزود الرياضيات بأحد الثوابت النادرة التى يمكن أن تعتمد عليها .. إن 186284 هو ثابت مطلق لا يتغير مقداره فى اى طرف من ارجاء الكون ..

وبما أنه يربط جميع المجموعات المتحركة ويتنقل بينها .. دون أن يتغير .. فلا بد ان هناك قاسما مشتركا أعظم لكل القوانين المختلفة التى تحكم هذه المجموعات ..

هناك امل إذن والطريق مفتوح ..

وإذا عدنا إلى مثل الساعة المتحركة والمسطرة المتحركة .. فإننا سوف نذكر أننا قلنا إن الساعة المنطلقة بجركة عالية تظل تؤخر وتؤخر حتى تبلغ سرعة الضوء فيتوقف الزمن فيها تماما ..

والمسطرة الطائرة بالمثل تظل تنكمش وتنكمش حتى تبلغ سرعة الضوء فيصبح طولها صفرا ..

وهذه مستحيلات فرضية بالطبع لأن سرعة الضوء حد أقصى لأى جسم أن يبلغها ، فهى قاصرة على الضوء ذاته ..

ولكن أينشتين يمعن فى الإفتراض فيبحث فى صفة ثالثة غير زمان الحسم ومكانه .. هى كتلته .. ويتساءل :

ماذا يحدث لكتلة جسم منطلق بسرعة عالية تقترب من سرعة الضوء ؟
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس