الموضوع: مؤازرة
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-05-2009, 02:21 PM   #19
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(4)

في الأيام الماطرة، نادرا ما يتوجه أحد لغسل سيارته في مغسلة أبو عارف، فلا فائدة من الغسيل، طالما أن الجو ينذر بمزيد من الأمطار، وحتى لو لم ينزل المطر، فإن ارتطام عجلات السيارات بالأحواض المنخفضة التي تتكون نتيجة رداءة تنفيذ الطرق، سينثر الماء الموحل ويوزعه على السيارات فيلوثها من جديد.

لكن غالب الذي يأمره عمه بفتح المغسلة في وقت مبكر، حتى في مثل تلك الأجواء، لم يتوان عن فتح المغسلة في ذلك اليوم البارد، ولم يستطع عمل الشاي لنفسه ليتغلب على برودة الجو، فعمه (أبو عارف) يعد أكياس الشاي الصغيرة التي يخصص كل كيس لكوب، وكل كوب يخصص لمن يغسل سيارته، فيحاسب ابن أخيه على الغسيل من خلال عدد ما نفذ من أكياس، فإن نقصت أعداد أكياس الشاي عشرة، فعلى غالب أن يناول عمه (صاحب المغسلة) عشرين دينارا.

لم تساوره نفسه قط، أن يعمل كوبا من الشاي، ويعوض عمه بدينارين عنه، ولم يكن يرغب أن يأتيه زبون أو أكثر ليعمل (إبريقا) من الشاي، يقدم لنفسه كوبا، من بين المجموع، فسهل عليه أن يضع ثلاثة أكياس ويقدم من خلالها أربعة أكواب من الشاي. لكن هؤلاء إن أتوا فإنه سيقوم بغسل سياراتهم أولا، وهذا ينذر بأن جسمه سيطوله بعض رشقات من الماء البارد.

(5)

اصطفت ثلاثة سيارات، بساحة المغسلة، وقام أكثرهم وجاهة بالسؤال عن صاحب المغسلة (أبو عارف)، فأجابه غالب بأنه لم يأت بعد، ولكنه قد يأتي في أي لحظة، وطلب من الجميع التفضل بالجلوس في المكتب، وكان لا يفتحه إلا لأبي عارف، ففتحه لهم، بعد أن علم أنهم جاءوا خصيصا لأبي عارف من أجل انتخابات غرفة التجارة.

كانت فرصة لغالب أن يشعل المدفئة الكهربائية التي يشعلها عمه لنفسه فقط، وفرصة أيضا ليصنع لهم إبريقا من الشاي، قد يحظى ببعضه، وقد أعد سيناريو يبرر ما عمله فيما لو سأله عمه عنه.

كان (سعد) من بين الوفد الانتخابي، وكان زميلا لغالب في المدرسة، وكان معروفا بتدني مستواه العلمي وحتى العقلي، حيث كان يستعين بغالب في كل واجباته المدرسية. لكن (سعد) أكمل دراسته الثانوية، في حين ترك (غالب) المدرسة عندما توفى أبوه، وطلب منه عمه أن يساعده في المغسلة.

كان الوفد الانتخابي، يحاول التسابق مع الفريق الآخر من المرشحين للوصول لكل أعضاء غرفة التجارة، ليأخذوا منهم وعدا بالمؤازرة، فكانوا لا يسألون عن الوقت ولا عن حسن الضيافة، بقدر ما كان يهمهم الحصول على وعد صادق بالتصويت، ولديهم معرفة بالطريقة التي يحسبون فيها من معهم حقا ومن ليس معهم، ومن يحتاج لمزيد من التأثير حتى يضمنوا صوته.


لم يكن غالب من المؤهلين للتصويت، فالمغسلة باسم عمه وعضوية غرفة التجارة لعمه. لكنه لم يكن يعرف الكثير عن غرفة التجارة ودورها، ولماذا يتسابق هؤلاء للفوز بها. فبالأمس كان وفد آخر قد زار عمه، وضحك عمه بوجوههم، فهل يا ترى سيضحك بوجوه هؤلاء؟

(6)

دخل أبو عارف بوجهه النحاسي الحليق، وصوت مبحوح مشوش بفعل (النرجيلة)، وملابس لا يمكن أن تجدها في المحلات الراقية، ولا في محلات الملابس المستعملة، فكان دائما يحضر ملابسه من ألمانيا، كما يقول، ولكن لو فتش أحد عنها في ألمانيا، فلن يجدها، كانت بلون لا هو بالأصفر ولا بالبني، ذات زغب خفيف، كانت على مر السنين تبدو متشابهة ولكنها ليست نفسها.

كان أبو عارف محترفا لطرق التعامل مع تلك الوفود والجماعات، فلم يقل لأحد بأنه ليس معه في الانتخابات، ولم يقل له أنه معه في نفس الوقت، لكن دائما ما تحسب الكتل المتصارعة على الانتخابات أن (أبا عارف) معها، كان كلاعب البوكر لا أحد يخمن ما بيده من أوراق.

أما هو، فكان ذا حضور (وجاهي) في كل المناسبات، فباستمرار تضعه الدوائر الحكومية من بين المدعوين للقاء بمسئول، ويدعى لكل الولائم، ولكل اجتماعات فض الخصومة بين أفراد وجماعات المجتمع المحلي. وأي نشاط انتخابي حتى لو كان لانتخاب هيئة لنبش قبور العباد ستجده حاضرا.

أما لماذا لم يكن قاسيا وواضحا وحادا في إجاباته، فيقول عن ذلك لبعض أصدقاءه المقربين، أنه لا يهمه من ينجح ومن يرسب في الانتخابات، أي كانت تلك الانتخابات، إن ما يهمه أن تبقى علاقاته طيبة مع كل الناس فهم بالنسبة له زبائن، يشترون من محلات السجاد والحلويات والمغسلة وقطع غيار السيارات، وهو متواجد في كل الساحات ليذكر الناس بأنه يراهم ويحب أن يراهم كثيرا!

رحب أبو عارف بالحضور، وسأل ابن أخيه: هل قمت بالواجب؟ فانشرحت أسارير غالب، حيث لم يعد مضطرا لخلق تبريرات ما فعل، وبعد أن تكلم الجميع، وأبو عارف يمثل دور المفتون بما يسمع، خاطبهم لماذا تضيعون وقتكم عند (ربعكم) توكلوا على الله وابحثوا عن عوامل نجاحكم في أمكنة أخرى!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس