برجماتية إيران وراء نشاطها في المنطقة
إذا أخذنا نموذج النشاط الأمريكي في المنطقة العربية، كممثل للمشروع الإمبريالي الليبرالي الغربي، وقمنا بتحليل عناصره، فإننا سنتعرف بسرعة على كل المشاريع التي تفكر بها القوى المؤثرة بهذا الإقليم، كردة فعل متكيفة مع المشروع الأمريكي، ومن هنا تبرز برجماتية كل مشروع.
باختصار شديد، إن المشروع الأمريكي، يطمح لأن تبقى السيطرة المطلقة على منابع النفط بشكلها الحالي، كما هي، لكي تملي على القوى الفاعلة بالعالم شروطها في كل المؤسسات الدولية، ومن أهمها ـ كما أشرنا ـ استخدام الدولار كعملة رئيسية للتداول في العالم. هذا بالإضافة للموقع الإستراتيجي للمنطقة العربية وما يتعلق بها من ممرات مائية، وتوسطها بين القارات. ولكي تبقي الحال على ما هو عليه لا بد من تحقيق:
1ـ إيقاف كل مشاريع التعاون العربي، من أن تتحول تلك المشاريع لتفضي لكتلة سياسية واقتصادية، يكون لها رأيها فيما تتلقى من مشاريع، وبالذات تلك التي تتعلق بالمشاريع القومية الوحدوية، فمن الخطوط الحمراء التي كان يخشاها الغرب في السابق، التقارب بين القاهرة وبغداد ودمشق، وقد أضيف لرؤوس ذلك المثلث، الرياض ليصبح مربعا، إن تكوَن رأسان من زواياه خارج الدائرة الغربية، يبرز عندها الخطر الشديد. من هنا أجهضت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، وتم تنزيل جنين مشروع وحدة (مصر والعراق وسوريا) قبل أن يولد.
2ـ ملاحقة الحركات ذات الطابع القومي، وشيطنتها أمام الرأي العام المحلي، وغض النظر عن الحركات السياسية الأخرى لعدم خطورتها على المصالح الغربية.
3ـ ضمان حماية أمن الكيان الصهيوني، واعتبار عدم توجيه الأذى والتهديد له، مقياسا لرضا الغرب عن النظام (أي نظام).
4ـ اختراع المشاكل بين أقطار الدول العربية، لإعاقة تطوير مشاريعها التضامنية (المتواضعة) وبقائها حبرا على ورق.
أين إيران من كل ذلك؟
تلتقي الرؤيا الإيرانية، مع الرؤيا الغربية في الهدفين الأوليين، أي منع أي شكل وحدوي فعال وملاحقة الحركات القومية العربية. وتعلم إيران كما يعلم الغرب أنهما يلتقيان عند هذين الهدفين. فلذلك تتسم علاقاتهما بالتقارب والتباعد وِفق حجم الأثمان لا أكثر.
أما فيما يتعلق بالكيان الصهيوني، فإن إيران والتي تجاور الوطن العربي من جهة العراق (براً) ودول الخليج العربي ومعبرها الحيوي بحراً، تدرك أنه ليس أمامها إلا ما يُسمى بالنشاط الناعم في الساحة العربية، وهذا النشاط الناعم يتمثل في:
1ـ استغلال حالة الترهل العربي، التي مجتها الجماهير العربية، واستثمار هذه الحالة بنشاطات معظمها لفظية، لدغدغة المشاعر العربية وهذا النشاط أشبه بمسلسلات التنفيس التي تبثها بعض محطات التلفزيون العربي.
2ـ استغلال المواطنين العرب الذين ينتمون للمذهب الشيعي، والذين يعانون من بؤس كما يعاني غيرهم من أبناء المذاهب الأخرى، جراء الفساد والترهل الحكومي العربي. فيفتخر هؤلاء المواطنون أن ـ في ظهرهم دولة تحكي بصوت غاضب ـ فتخلق إيران بذلك مشكلة جديدة لم تعهدها المنطقة العربية من قبل، وهي التأشير وكأن هناك أزمة طائفية بالمنطقة.
3ـ مصادفة غزو الكيان الصهيوني للبنان، وما ترتب عليه من إنشاء حالة من المقاومة المسلحة التي أحدثت حالة ترقب عربي، أُعجب بأداء تلك المقاومة، وتعاطف معها، وللصدفة الأكبر أن النظام العلماني في سوريا، كان على علاقة طيبة مع النظام الإسلامي في إيران، وأن سكان المناطق اللبنانية المحاذية للكيان الصهيوني هم في غالبيتهم من أبناء الطائفة الشيعية، كل ذلك أصبح وكأنه مجيرا لإيران.
4ـ تقديم المساعدات للمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وعدم الإفصاح عن حجم تلك المساعدات من قِبل من يتلقاها، اعترافا بالجميل، رغم أن هناك من يقول أن تلك المساعدات لا تتعدى ما تصرفه شركة (مالبورو) على دعاية سجائرها.
5ـ تعلم إيران، كما يعلم الغرب، أن الكيان الصهيوني لم يعد قادرا وحده على حماية المصالح الغربية، فلا بد من مساعدة أحد القوتين الإقليميتين (إيران أو تركيا) في تحقيق حماية تلك المصالح، وقد تتفوق إيران على تركيا بكثرة العوامل الناعمة التي ذكرناها على تركيا.
ماذا تريد إيران من السلاح النووي؟
هل تريد إيران أن تشن حرباً على الكيان الصهيوني؟ أم هل تريد أن تشن حرباً على دول الخليج أو الدول العربية؟ بسرعة وببساطة: كلا لا تريد هذه ولا تلك.
تعلم إيران، أن الكيان الصهيوني والذي ينظر لها من زاوية ـ صدام الحضارات ـ أنها لا تختلف بإسلامها عن العرب، وأن حيازتها للسلاح النووي سيشكل هاجسا مزعجا، ولكن إزعاجه يقل عن إزعاج (مفاعل تموز) العراقي الذي قصفته الطائرات الصهيونية، في أول الثمانينات.
وتعلم الولايات المتحدة الأمريكية، أن إيران ليست جادة في تهديد مصالح أمريكا أو الكيان الصهيوني، لكن لا بأس أن تبقى تلك القضية ساخنة، لتبقى ضرورة وجود الولايات المتحدة بأساطيلها في المنطقة قائمة، ولتبقى أمام العرب سيناريوهات مزعجة، وهذا سيحسن من منافع أمريكا من غزوها للعراق، فلو لم تكن هناك مخاطر إيرانية لاتفق الجميع على وجوب خروج أمريكا من العراق (بخفي حُنين). لكن مع وجود إيران وصورتها التي تم تضخيم شيطنتها، فإن العرب وأهل العراق سيلجئون للتساهل مع بقاء علاقة معينة مع أمريكا.
إن إيران تريد أن تتفنن بما لديها من أوراق متيسرة، لتحسين موقعها الإقليمي، والذي لو حصل لها ستطوره لما يخدم أوضاعها الاقتصادية التي لا ينظر لها الخبراء نظرة تفاؤل منذ أيام الشاه قبل سقوطه وبحثه عن سوق آسيوية مشتركة. إنها البرجماتية.
انتهى
__________________
ابن حوران
|