عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-03-2009, 09:31 PM   #2
جمال الشرباتي
كاتب إسلامي مميز
 
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
إرسال رسالة عبر MSN إلى جمال الشرباتي إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى جمال الشرباتي
إفتراضي

قال الطبري رحمه الله"

وأما الذين قالوا: ذلك فواتحُ يفتتح الله عز وجل بها كلامه, فإنهم وجهوا ذلك إلى نحو المعنى الذي حكيناه عمَّن حكينا عنهُ من أهل العربية، أنه قال: ذلك أدِلَّةٌ على انقضاء سُورة وابتداءٍ في أخرى، وعلامةٌ لانقطاع ما بينهما, كما جعلت « بل » في ابتداء قصيدةٍ دلالةً على ابتداء فيها، وانقضاءِ أخرى قَبلها كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداءَ في إنشاد قصيدة, قالوا:
بل * ما هاجَ أحْزَانًا وشجوًا قد شَجا
و « بل » ليست من البيت ولا داخلةً في وزنه, ولكن ليَدُلَّ به على قطع كلام وابتداء آخر.


***************************
قال الطبري رحمه الله"
وأما الذين قالوا: ذلك حروف مقطَّعة بعضها من أسماء الله عز وجل, وبعضُها من صفاته, ولكل حرف من ذلك معنى غيرُ معنى الحرف الآخر، فإنهم نَحَوْا بتأويلهم ذلك نحو قول الشاعر:
قُلْنَـا لهـا: قِفِـي لنـا, قـالت: قافْ لا تَحْسَــبي أنَّــا نَسِـينا الإيجـاف
يعني بقوله: « قالت قاف » ، قالت: قد وقفتُ. فدلت بإظهار القاف من « وقفت » ، على مرادها من تمام الكلمة التي هي « وقفت » . فصرفوا قوله: « الم » وما أشبه ذلك، إلى نحو هذا المعنى. فقال بعضهم: الألف ألف « أنا » , واللام لام « الله » , والميم ميم « أعلم » , وكلُّ حرف منها دال على كلمة تامة. قالوا: فجملة هذه الحروف المقطَّعة إذا ظهر مع كل حرفٍ منهن تَمام حروف الكلمة، « أنا » الله « أعلم » . قالوا: وكذلك سائر جميع ما في أوائل سُور القرآن من ذلك, فعلى هذا المعنى وبهذا التأويل.


********************************


قالوا: ومستفيضٌ ظاهرٌ في كلام العرب أن ينقُصَ المتكلم منهم من الكلمةِ الأحرفَ، إذا كان فيما بقي دلالة على ما حذف منها - ويزيدَ فيها ما ليس منها، إذا لم تكن الزيادة مُلبِّسةً معناها على سامعها - كحذفهم في النقص في الترخيم من « حارثٍ » الثاءَ، فيقولون: يا حارِ, ومن « مالك » الكافَ، فيقولون: يا مالِ, وأما أشبه ذلك، وكقول راجزهم:
مَــا لِلظليــم عَـالَ? كَـيْفَ لا يَـا يَنْقَـــذُّ عنـــه جِــلْدُه إذا يَــا
كأنه أراد أن يقول: إذا يَفعل كذا وكذا, فاكتفى بالياء من « يفعل » ، وكما قال آخر منهم:
بالخيرِ خيراتٍ وإنْ شرًّا فَا
يريد: فشرًّا.
ولا أُرِيد الشرَّ إلا أن تَا
يريد: إلا أن تَشاء، فاكتفى بالتاء والفاء في الكلمتين جَميعًا، من سائر حروفهما, وما أشبهَ ذلك من الشواهد التي يَطول الكتاب باستيعابه.
* عن محمد, قال: لما مات يزيدُ بن معاوية قال لي عَبْدَة: إني لا أراها إلا كائنةً فتنةً، فافزع منْ ضَيْعَتِكَ والحقْ بأهلك. قلت: فما تأمرني؟ قال: أحَبُّ إليّ لك أنْ تا - قال أيوبُ وابن عون بِيده تحت خدِّه الأيمن، يصف الاضطجاع - حتى ترى أمرا تَعرفه .
قال أبو جعفر: يعني بـ « تا » تضطجع, فَاجتزأ بالتاء من تضطجع. وكما قال الآخر في الزيادة في الكلام على النحو الذي وصفت:
أقُــول إِذْ خَــرَّتْ عـلى الكَلكـالِ يَـا نـاقَتِي مـا جُـلْتِ مـن مَجَـالِ
يريد: الكَلْكل، وكما قال الآخر:
إنّ شَـــكْلِي وَإن شَــكْلَك شَــتَّى فَـالزْمي الخُـصَّ واخْفِضِي تَبْيضِضِّي
فزاد ضادًا، وليست في الكلمة .
قالوا: فكذلك ما نقصَ من تمام حُروف كل كلمة من هذه الكلمات التي ذَكرنا أنها تتمة حروف « الم » ونظائرها - نظيرُ ما نقص من الكلام الذي حكيناهُ عن العرب في أشعارها وكلامها.
************
قال الطبري رحمه الله"
**************


وأما الذين قالوا: كل حرف من « الم » ونظائرها، دالُّ على معان شتى - نحو الذي ذكرنا عن الربيع بن أنس - فإنهم وَجَّهوا ذلك إلى مثل الذي وَجَّهه إليه من قال: هو بتأويل « أنا الله أعلم » ، في أنّ كلَّ حرف منه بعضُ حروفِ كلمةٍ تامة، استُغْنِيَ بدلالته عَلى تَمامه عن ذكر تمامه - وإن كانوا له مُخالفين في كلِّ حرف من ذلك: أهو من الكلمة التي ادَّعى أنه منها قائلو القول الأول، أم من غيرها؟ فقالوا: بل الألف من « الم » من كلمات شتى، هي دالةٌ على معاني جميع ذلك وعلى تمامه. قالوا: وإنما أفرِد كلُّ حرف من ذلك، وقصَّر به عن تمام حروف الكلمة، أن جميعَ حُروف الكلمة لو أظهِرت، لم تدلَّ الكلمة التي تُظهر - التي بعضُ هذه الحروف المقطعة بعضٌ لها - إلا على معنى واحد لا على معنيين وأكثر منهما. قالوا: وإذْ كان لا دلالة في ذلك، لو أظهر جميعها، إلا على معناها الذي هو معنى واحدٌ, وكان الله جل ثناؤه قد أراد الدلالة بكلّ حرف منها على معان كثيرة لشيء واحد - لم يَجُز إلا أن يُفرَد الحرفُ الدالُّ على تلك المعاني, ليعلمَ المخاطبون به أنّ الله عز وجل لم يقصد قصد مَعنًى واحدٍ ودلالةٍ على شيء واحد بما خاطبهم به, وأنه إنما قصد الدلالةَ به على أشياء كثيرة.
***********************


قالوا: فالألف من « الم » مقتضيةٌ معانيَ كثيرةً, منها تمامُ اسم الربّ الذي هو « الله » , وتمامُ اسم نعماء الله التي هي آلاء الله, والدلالةَ على أجَلِ قومٍ أنه سنة, إذا كانت الألف في حساب الجُمَّل واحدًا. واللام مقتضيةٌ تمامَ اسم الله الذي هو لطيف, وتمامَ اسم فَضْله الذي هو لُطفٌ, والدلالةَ على أجَلِ قوم أنه ثلاثون سنة. والميم مقتضيةٌ تمامَ اسم الله الذي هوَ مجيد, وتمامَ اسم عظمته التي هي مَجْد, والدلالةَ على أجَلِ قوم أنه أربعون سنة. فكان معنى الكلام - في تأويل قائل القول الأول- أن الله جل ثناؤه افتتح كلامه بوَصْف نفسه بأنه العالِمُ الذي لا يخفى عليه شيء , وَجعل ذلك لعباده مَنهجًا يسلكونه في مُفتتح خطبهم ورسائلهم ومُهِمِّ أمورهم, وابتلاءً منه لهم ليستوجبوا به عظيمَ الثواب في دار الجزاء, كما افتتح ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ، [ سورة الأنعام: 1 ] وما أشبه ذلك من السُّور التي جعل مَفاتحها الحمدَ لنفسه، وكما جعل مفاتحَ بَعضها تعظيم نَفسه وإجلالها بالتسبيح، كما قال جل ثناؤه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا [ سورة الإسراء: 1 ] ، وما أشبه ذلك من سائر سور القرآن، التي جعل مفاتحَ بعضها تحميدَ نفسه, ومفاتحَ بعضها تمجيدَها, ومفاتح بعضها تعظيمَها وتنـزيهها. فكذلك جَعل مفاتحَ السور الأخَر التي أوائلها بعضُ حروف المعجم، مدائحَ نفسه، أحيانًا بالعلم, وأحيانًا بالعدل والإنصاف, وأحيانًا بالإفضال والإحسان، بإيجاز واختصار, ثم اقتصاصَ الأمور بعدَ ذلك.



وعلى هذا التأويل يجبُ أن يكون الألف واللام والميم في أماكن الرفع، مرفوعًا بعضُها ببعض، دون قوله ذَلِكَ الْكِتَابُ ، ويكون ذَلِكَ الْكِتَابُ خبرا مبتدأ مُنقطِعًا عن مَعنى « الم » . وكذلك ذَلِكَ في تأويل قول قائل هذا القول الثاني، مرفوعٌ بعضه ببعض, وإن كان مخالفًا معناهُ معنى قول قائل القول الأول.


****************************
قال الطبري رحمه الله"


وأما الذين قالوا: هنّ حروف من حروف حساب الجُمَّل دون ما خالف ذلك من المعاني, فإنهم قالوا: لا نعرف للحروف المقطَّعة معنًى يُفهم سوى حساب الجُمَّل، وسوى تَهَجِّي قول القائل: « الم » .
وقالوا: غيرُ جائز أن يخاطبَ الله جلّ ثناؤه عبادَه إلا بما يفهمونه ويعقلونه عنه. فلما كان ذلك كذلك - وكان قوله « الم » لا يُعقَل لها وجهٌ تُوجَّه إليه، إلا أحد الوجهين اللذين ذكرنا, فبطل أحدُ وَجهيه, وهو أن يكون مُرادًا بها تهجِّي « الم » - صحَّ وثبت أنه مرادٌ به الوجه الثاني، وهو حساب الجُمَّل؛ لأن قول القائل: « الم » لا يجوز أن يليَه من الكلام ذَلِكَ الْكِتَابُ ، لاستحالة معنى الكلام وخرُوجه عن المعقول، إنْ وَلي « الم » ذَلِكَ الْكِتَابُ .
"واحتجوا لكلامهم بخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه حساب الجمل"
**************************
__________________
مؤسس ملتقى أهل التأويل
http://www.attaweel.com/vb/

جمال الشرباتي غير متصل   الرد مع إقتباس