الموضوع: مؤازرة
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-03-2009, 11:19 PM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(3)

حرص (رشيد) أن يصل الى بيت (قمر الدين) قبل غيره من المدعوين الأربعين، كان رشيد قد تخرج من الجامعة التركية التي تخرج منها قمر الدين، وبنفس السنة، لكنه اختار العمل في القطاع الحكومي، عكس زميله وصاحبه (قمر الدين).

كان كلاهما قد انتسبا الى حزب قومي أثناء وجودهما بالجامعة، ولكنهما انقطعا عن التنظيم منذ عشرين عاما، أي فور تخرجهما، ولم يعرف أحد إن كان ابتعادهما عن التنظيم تم بإرادتهما أم بفعل خارجي. كانا يتمتعان بنفس الصفات تقريبا، وهي الحرص على إيهام الآخرين أنهما لا زالا بالتنظيم، أما عن علاقاتهما مع الدوائر الأمنية، فلم يكن عليها أي شائبة، لأنهما بكل بساطة يعلمان أن الدوائر الأمنية تعلم عن عدم ارتباطهما بأي تنظيم!

حاول رشيد في حضوره المبكر لبيت صاحبه قمر الدين، أن يقنعه بضرورة ترشيح وكيل وزارة ـ لا زال على رأس عمله ـ وهو من نفس صنفهما أي ممن كان له ماضٍ سياسي بعيد، وحجة رشيد بذلك، هي أن وكيل الوزارة أقدر على كسب الأصوات بفعل موقعه بالوزارة، وما لذلك دور في التفاف العاملين بالوزارة من المهندسين حوله، وبالتالي فنجاحه مضمون، وتبقى مكانة قمر الدين ورشيد وأصحابهم محفوظة، واحتمالية ترقية قسم منهم ليكونوا مدراء عامين في الوزارة ستكون واردة.

لم يرتح قمر الدين لطرح صديقه رشيد، ولم يوافقه عليه بشكل فوري، ولكن دعاه لينتظر ما سيسفر عنه الاجتماع الذي كانت دعوة الإفطار في رمضان من أجله.

(4)

انقطع الحديث الثنائي بين الصديقين، بسبب توارد المدعوين الأربعين، فانشغل قمر الدين كونه صاحب الدعوة، باستقبال المدعوين ومصاحبتهم لمقاعدهم. ثم تحيتهم وسؤالهم عن أحوالهم، وتفقد حرارة استجابتهم للدعوة رغم بعد المسافة بين العاصمة ومدن أولئك المدعوين، والذين يُفترض أن تكون استجابتهم لمثل تلك الدعوات وفي شهر رمضان على وجه الخصوص.

كان من بين المدعوين أشخاص يلتزمون في هيكلية التنظيم، وكانوا يعرفون على وجه الدقة مَنْ مِن هؤلاء الحضور معهم بالتنظيم، ومن منهم خارج التنظيم، ولكن هؤلاء لم يريدوا طرح مثل تلك المسألة، بل بالعكس، فإنهم يقبلون بادعاء الذين خارج التنظيم أنهم داخله.

حضر أربعة وثلاثون رجلا من أصل أربعين، وكان أربعة منهم من المسيحيين، ومع ذلك ساد المكان جوُ من الأريحية والود كون هؤلاء الحضور يرتبطون وجدانيا بأكثر من رابط، إما اشتراكهم في الدراسة، أو اشتراكهم في التوجه السياسي، فكان كل واحد منهم يجد أكثر من موضوع (سؤال) يطرحه لمن ينتقيه من بين الحضور.

أحضر أحد الخدم، ماعونا به من التمر، كما أحضر آنية بها من اللبن، ووضع أكوابا، وأخذ يملأها من اللبن (المخيض)، ويوزعها على أركان مختلفة من الموائد المنضدة.

(5)

كان الحضور يتوقفون عن الكلام قليلا، علهم يسمعون صوت (مدفع الإفطار) أو صوت المؤذن ليعلن نهاية صيام ذلك اليوم.

بعد أن تيقن الجميع أنه حان وقت الإفطار، بادروا لتناول قليلا من اللبن والتمر الذي أمامهم، ثم اقترح أحدهم الذهاب لأداء صلاة المغرب، في مسجد قريب بجوار (بيت: فيلا) صاحب الدعوة، لكن صاحب الدعوة بادر للقول: من أراد الصلاة فليتفضل، وكان قد أعد إحدى صالات بيته لمثل ذلك الموقف، فانتقل قرابة ثلاثين شخص لأداء صلاة المغرب وراء (قمر الدين) الذي زكاه الحضور ليؤم بهم كونه صاحب البيت!

كان صوت قمر الدين واضحا وغير مهزوز في تلاوة الفاتحة والسورة القصيرة، لكنه كان يتلو القرآن كمن يتلو نشرة أخبار أو كبيان سياسي.

كان الأربعة من المسيحيين، يشعرون بالحرج من هذا الموقف، لكن وجود اثنين من المسلمين الذين لم يشاركا في أداء صلاة المغرب، قلل من حرجهما.

وبعد الانتهاء من الصلاة، حاول واحد من الاثنين الذين تخلفا عن أداة الصلاة أن يمازح صاحب الدعوة بالقول: هل أنتم متأكدون أننا لسنا في حضرة جماعة سلفية؟ لم يشأ المسيحيون أن يبدوا مشاركته بالابتسام، كما لم يعلق على ملاحظته أحد!

تناول الجميع إفطارهم، أو عشاءهم (للبعض القليل)، ثم تناولوا حلوياتهم التي أحضرت من مطعم مشهور، ليكمل قمر الدين واجب الضيافة.

(6)

لم يكن سعدون ليتوقع أن يقدمه الآخرون لافتتاح الاجتماع الذي عقب الدعوة، وعندما تطوع قمر الدين لتسميته لاستهلال الاجتماع، لم يعترض أحد من الحضور على تسميته. كان سعدون شخصا يلف نفسه بهالة من الغموض، فقد كان مجرد ذكر اسمه بين المهندسين، حتى يتصوروا أنه يملك جهازا وشبكة قادرة على جعل أي مرشح طامحا يخفق في الانتخابات يخفق في مهمته إن لم يباركه ذلك (السعدون). ولكن تلك القدرة غير كافية بالتأكيد على أن يجعل من يطمح يحقق نجاحا بشكل مضمون.

كان سعدون رجل تنظيم بارع، فهو يتابع أدق التفاصيل، وقد فهم رغبة قمر الدين، في ترشيح نفسه لمركز النقيب، ووافق على إعطاءه مثل تلك الفرصة، بعد التشاور مع تنظيمه، ولكنه لم يشأ أن يفصح عن رغبته تلك، في ذلك الاجتماع، لترك انطباع بين الحضور بأن مسألة الترشيح تأتي بالتشاور والتوافق مع كل القوى التي تحسب على ذلك التكتل.

كان نبرات صوت سعدون منخفضة، وكلماته غير متراصة، لكن كان لها عذوبة كعذوبة ابتسامة ثغر يكشف عن أسنان متباعدة قليلا. حاول سعدون ترتيب أفكاره ليجعل من الهدف المراد سببا وجيها للتعبئة في تلك الحملة، كان يتحاشى ذكر الولاء للدولة كسبب محفز لتلك الحملة، هو يعرف كيف يصور الآخر على أنه خصم جدير بهذا التكتل أن يهزمه، لكن كان يبتعد عن التفصيلات الدقيقة، خصوصا، عندما كانت تعليقات الحضور تفصح عن استعدادهم الكامل لخوض تلك المعركة الانتخابية.

كان يعرف ما يقول، فافترض أن من ينجح يحتاج الى خمسة آلاف صوت على الأقل، وبذلك يكون على كل واحد من الحاضرين أن يقنع عشرة من المهندسين ويعبئهم، وحتى لا يكون واحد أو أكثر من هؤلاء العشرة يشتركون في اهتمام أي من الآخرين، بادر لتشكيل أمانة عامة مكونة من عشرة أشخاص للتنسيق في إدراج جداول المهندسين الذين يتم التحرك عليهم.

وعندما يصبح العدد 340 يطلب من كل واحد أن يتحرك على خمسة من المهندسين، وبعدها يتم الطلب من هؤلاء التحرك على ثلاثة. ثم متابعة شؤون هؤلاء الناخبين، من تسديد اشتراكاتهم وترتيب نقلهم الخ.

قسم سعدون خطة العمل بما يتناسب مع الزمن، لتكون النتيجة واضحة للعيان بفوز المرشحين قبل أسبوعين أو ثلاثة قبل الموعد الرسمي للانتخابات.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس