عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-02-2009, 08:55 AM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التنظيم في مؤسسات المجتمع المدني وأثرها على الانضباط

من يستقري واقع التنظيمات الشعبية في الوطن العربي، سيراها لا تختلف كثيرا عن التنظيمات الحكومية، وإن أردنا الإنصاف أكثر، وجدنا أن التنظيمات الحكومية تفوقت بأشواط على التنظيمات الشعبية، كون التنظيمات الحكومية نالت من تراكم الخبرة وتواصلها، ما لم تنله التنظيمات الشعبية، إضافة الى وظيفة التنظيمات الحكومية، فإن ضرورتها الأمنية تفرض شكلا من الانضباط تفتقده التنظيمات الشعبية، علاوة على ربط حسن الانضباط في التنظيمات الحكومية بالارتقاء والحصول على مكاسب ملموسة عكسها في التنظيمات الشعبية.

ظرفية تشكيل المنظمات الشعبية والانتماء لها

يزعم كل منتسب لجماعة أنه يخلص بالولاء لها وأنه يتكلم باسمها، وقد تظهر تلك الحالة بالمفاخرة بين المهن، فابن مهنة الطب يتفاخر على غيره، ويقول: نحن الأطباء كذا! وابن العشيرة الفلانية يتباهى بانتمائه لعشيرته وفي مواسم الانتخابات يتفاخر بالعدد والعدة، وابن القرية أو المدينة يعدد مناقب قريته أو مدينته، حتى تصل الأمور أن هناك من يدعي أنه يتكلم باسم الكويتيين أو العراقيين أو المصريين، وقد تتوسع الأمور فهذا يتكلم باسم طائفة السنة وهذا باسم الشيعة، أو هذا يتكلم باسم الأكراد وهذا يتكلم باسم العرب الخ. وكل أنواع هذا الكلام من باب الهذر والإسفاف.

ولكن، هناك تشكيلات اجتماعية أو سياسية تشكلت وتتشكل، وظرفية تشكيلها تؤثر في مسألة الانضباط التي نحن بصددها، والتشكيلات ثلاثة أنواع:

تشكيلات جبرية: وهي التشكيلات المكونة طبيعيا وما يترتب عليها من تنظيمات مرافقة، كأن يتم تشكيل تنظيم لعشيرة من أجل إنقاذ المعوزين من أبناء العشيرة، أو من أجل إنشاء ديوان لأفراحهم وأتراحهم ومن يشذ عن الانضباط يُحرم من التمتع من مزايا تلك التنظيمات، وقد تتطور تلك التنظيمات لتشمل تنظيم الانتخابات وترشيح أحد أبناء العشيرة للبرلمان أو للبلدية الخ. وقد تعرفت على نماذج من العلمانيين الذين لا يؤمنون بالدين ولا بالقومية ولا بالتنظيم العشائري، اضطروا الى الانخراط باللعبة العشائرية، وأخذوا يداومون على صلاة الجماعة بين أقاربهم ليكونوا مرشحين لعشيرتهم، وقد نجح أكثر من واحد من هؤلاء في التماهي بتلك اللعبة ووصل للبرلمان!

من جانب آخر، هناك القوانين المهنية التي تلزم الطبيب أو المحامي بالانتماء الى نقابة حتى يُجاز في مهنته ويزاولها دون ملاحقة قانونية، وهذا أيضا من باب الانتماء الجبري للتنظيمات الشعبية.

تشكيلات انتهازية: في الدول التي يكون بها نظام الحزب الحاكم، يجد الفرد أنه من الأفضل له الانضواء تحت عباءة ذلك الحزب، ليستفيد من بعثة دراسية أو ترقية وظيفية أو ليتجنب ملاحقة القانون له في حالات مخالفاته!

تشكيلات طوعية: تلك التشكيلات، تكون على هامش فكري (عقائدي) في ظاهرها، كالانتماء للأحزاب الإسلامية أو الشيوعية أو القومية. ولو تم التدقيق في شكل تلك الالتزامات لوجد الكثير من حالاتها ينبع من إرهاصات اجتماعية لها علاقة بالسياسة، لكنها ليست سياسية جدا. فأبناء قرية مجموع أصواتها لا يزيد عن ألف صوت، لا أمل لهم في مزاحمة مرشحي الدائرة الانتخابية التي يحتاج من ينجح فيها الى عشرة آلاف صوت، فينضوي أشخاصها الطامحون في الموقع السياسي الى جماعة إسلامية ليقدموا أنفسهم كأشخاص اعتباريين لأبناء الدائرة الانتخابية، لا لكونهم يمثلون تلك القرية الصغيرة.

أو نجد أن أبناء طائفة دينية صغيرة أو قومية صغيرة لا أمل لهم في مطاولة محيطهم، فيختارون الانضواء تحت الحزب الشيوعي (بأمميته) التي تغطي على قصور أحلامهم في التعبير عن ذاتهم.

كما أن هناك عدد من التنظيمات الطوعية، يكون الصدق فيه أقرب الى الهواية منه الى العقيدة، وقد يلعب الجانب الأخلاقي دوره في هذا الجانب، كالجمعيات الخيرية التي تعني برعاية (ذوي الاحتياجات الخاصة) أو أنصار البيئة، أو جمعيات الهلال أو الصليب الأحمر الخ.

الهياكل القيادية في التنظيمات الشعبية

غالبا، ما تبقى القيادة في تلك التنظيمات، ملتصقة بمن سبق في تأسيس مثل تلك التنظيمات، إلا إذا منع القانون ذلك، كحالات النقابات التي لا تسمح لمجالسها القيادية أن تبقى أكثر من دورتين، أو تعتبر النقابي محتفظا بوضعه حتى عمر محدد.

أما في الأحزاب والجمعيات الخيرية، فقد تجد رؤساء أو أمناء سر يمكثون في قياداتهم أكثر ما يمكث أكثر الملوك أو الرؤساء العرب، وإن ابتعدوا ـ طوعا ـ فإن من يخلفهم يكون قريب الصلة بهم أو من صنعهم.

هشاشة الاتصال بين القيادات والقواعد والانضباط

في بلد ما عندما يكون هناك 100ألف مهندس، علينا تصور الآلية التي تجعل من هؤلاء المهندسين جماعة يمكن أن تكون منضبطة، فقد تجد نصف هؤلاء مستخدمين لدى الدولة وقد يكون من بينهم وزير أو أكثر، وستجد ولاءات الأعضاء موزعة بين الدولة والنقابة، وبالتالي فإن الانضباط يكون موضع خلاف كبير بين الأعضاء.

إضافة الى ذلك، ستجد من بين هذا العدد الضخم، قلة تتابع ما يجري في النقابة قد يصل عددها في أحسن الأحوال الى بضع مئات، ومع ذلك تحس أن نبرة المسئولين في تلك النقابات عالية علوا غير حقيقي، وتدرك الحكومات هشاشة الارتباط بين القيادات والأعضاء، كما يدرك الأعضاء ـ أنفسهم ـ ذلك، وكل ذلك سيؤدي الى انخفاض مستوى الانضباط.

هذا الكلام، ينسحب على المحامين (كون القضاة جزء من منتسبي نقابة المحامين في بعض الدول العربية) وينسحب على الأطباء والممرضين وباقي المهن المختلفة.

الانضباط في الأحزاب

تتستر كثير من الأحزاب على هياكلها وأعدادها، وقد يكون بعض الأحزاب، كما وصفها (موريس ديفريجيه) بأنه إذا أردت تكوين حزب، عليك أن يكون لك رئيس و مقر وأمين سر وختم، وأحيانا يُكتفى بالختم.

قد يُصرح أمين عام لحزب، بأنه غير راض عن سياسة الدولة في مسألة ما، وتتناقل وسائل الإعلام تصريحاته، فيفرح وتفرح القلة التي حوله، ويتمنى وتتمنى القلة التي حوله أن يتعرض للاعتقال من قبل أجهزة الأمن لتقتات تلك القلة على هذا الحدث، وتبقى تلوكه لزمن.

لو أحصينا خلال قرن من الزمان، كم حزب تأسس في البلاد العربية، وكم حزب انفرط عقده لوجدناها عدة آلاف من الأحزاب التي لم يبق منها إلا القليل والذي يعاني من شيخوخة.

الانضباط في تنظيمات المؤسسات المدنية الأخرى

هناك من المؤسسات الخيرية التي تعمل بشكل طبيعي، ولكن انضباط أعضاءها لا يقل سوءا عن غيره، وما يبقيها على قيد الحياة، هو التبرعات المحلية أو الخارجية، والأخيرة لها دور كبير في خلق حالة من (مناغاة الأنتلجنسيا) لأغراض غير شريفة بشكل مطلق، وعلينا أن لا نستهين بالمبالغ المبذولة في هذا المجال، فألمانيا وحدها تخصص 0.03% من ميزانيتها دعما لتلك المنظمات وبعلم حكوماتها. ولا تهتم قيادات تلك المنظمات في انضباط أعضائها، بل أحيانا ترغب بعدم انضباطهم، لتبقى متفردة في نعيمها المتمثل بحضور اجتماعات دولية قد تصل الى عشرة اجتماعات سنوية في مختلف أنحاء العالم على نفقة الدول الداعمة، فتكتفي بتقديم كشوف وهمية لأعضاء وهميين.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس