عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-02-2009, 11:31 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أثر الفكر على الانضباط

الفكر، الأيديولوجية، مخزون معرفي يوظف في قياس طبيعة حركة الأفراد أو الجماعات في أداءها لأعمالها أو في اتخاذها موقفا مما يدور حولها، هناك من يذهب الى أن اكتناه وتقييم الأمور يعود لفرع من العلوم الفلسفية أُطلق عليه اسم الإبستومولوجيا.

حتى يبقى موضوعنا يراوح مكانه في حيز الفهم المتاح لأكبر شريحة من المهتمين، سنبتعد قليلا عن التعقيد في تناولنا للموضوع، وسنعود لأثر الأفكار ودورها في زيادة همة العاملين أو المتوجهين لعمل ما.

معلوم، أن المقتنع بفكرة والمؤمن بها تكون سرعة تحركه وهمته في إنجاز ما أوكله غيره إليه لإنجازه، أو ما تطوع هو في عمله، أسرع من ذلك الذي يفقد قناعته أو أن تكون قناعته مهزوزة في أداء عمله، هذا المشهد نراه في المواظبين على شعائرهم الدينية الذين يقومون لأداء صلواتهم بالمساجد بانتظام، أو أولئك الذين ينفذون عمليات تفجير أنفسهم من أجل هدف يقتنعون فيه قناعة تامة، (اليابان في الحرب العالمية الثانية) (فلسطين والعراق).

في حين تكون همة ذوي القناعة المهزوزة، واضحة في ارتخاء همتهم، فإن طالب تنظيم أفراده في الخروج الى مظاهرة لنصرة ثوار التاميل (مثلا) وكان هذا التنظيم يتواجد في بلد مثل مصر مثلا، فإن الحضور سيكون قليلا، لا شك.

التعقيد في الأفكار يسبب خللا في الانضباط

تتفاوت درجات الفهم والمقدرة الفكرية من شخص لشخص، وتتفاوت اهتمامات الناس حسب أهمية الموضوع المطروح عليهم، وليس مطلوبا من كل الناس أن تكون مستويات فهمهم للأمور متساوية.

الفكرة غير الواضحة، تكون ك (القارمة) غير الواضحة، ففي الطرقات السريعة، تضع بعض مكاتب الإعلان إعلانات يستطيع من يركب السيارة رؤيتها وقراءتها وفهمها بسرعة فائقة، ولو أكثر واضع الإعلانات من الكلمات الموجودة على اللوحة، وكان حجم الحروف صغيرا لكي تستوعب اللوحة ما يريده من الإعلان لتعذر على من يركب السيارة قراءة كل تلك التفاصيل في الوقت القليل الذي يتزامن مع وقوع تلك اللوحة في مجال بصره.

هذا حال عموم المواطنين في فهم الموضوعات السياسية التي تُطرح عليهم. عندما كانت الدعوة الإسلامية في بداية عهدها، لم يكن المقاتلون قد اطلعوا على ما كتب ابن حنبل أو ابن تيمية، بل كانوا بالكاد يحفظون القليل من آيات القرآن الكريم، فكانت إنجازاتهم بالقرن الأول الهجري تفوق كل إنجازاتهم فيما بعد. وعندما كثر شرح العقيدة، وكثرت الاجتهادات هبط مستوى الانضباط، وظهرت التكتلات وظهر التهويش، وظهرت الطوائف والفرق.

كما أنه في العصور الحديثة عندما كان القائد السياسي يختصر الأيديولوجية في قرارات صارمة استطاعت بعض الدول أن تخطو خطوات سريعة (ألمانيا، اليابان، الاتحاد السوفييتي/عهد ستالين).

مواكبة الفكر للتطور الحضاري وأثرها على الانضباط

في بداية القرن العشرين، وحتى بعد منتصف القرن العشرين، حفظ الجمهور هدفا أساسيا من الخطابات الفكرية الموجهة إليهم، وهو هدف التحرر من الأجنبي، ثم رافق هذه الخطابات ما كان يتعلق بالتطلع للتقدم والوحدة.

تحقق التحرر، أو هكذا بدا للجمهور، وكثرت الخطابات الداعية للتقدم والوحدة وقد صادف أن كان بين عامي 1960 و1970 ستة أنظمة عربية تتشابه في خطابها تقريبا (مصر، الجزائر، السودان، العراق، سوريا، اليمن) وهي أنظمة تشكل أغلبية سكان الوطن العربي من حيث المساحة والسكان، وكلها تدعو للوحدة والتقدم والرفاهية ومقارعة الاستعمار الكيان الصهيوني الخ

تفاجأ المواطن أن تلك الأنظمة لم تستطع الارتقاء بواقع أقطارها نحو التوجه لصيغ تنسيقية فيما بينها، رغم أن العالم المتقدم (الذي نرجع كل أسباب تخلفنا إليه) كان منشغلا في ترميم دماره الذي حدث في الحرب العالمية الثانية. بل بالعكس انكفأت تلك النظم الى حالة قطرية وانكفأت الحالة القطرية لتحصين أنفسها من هواجس داخلية فتكونت أنظمة حديدية تحترف الوقاية من شعوبها أكثر من احترافها النهوض بواقع تلك الشعوب، وبالطبع لم يكن حال الأنظمة التي خارج تلك النوعية من الأنظمة، أفضل حالا.

لم يعد للفكر، ذلك الدور في خلق حالة التراص بين صفوف الشعب، كما لم تنتبه تلك الأنظمة لتفجير طاقات شعوبها ـ كما يجب ـ في تحقيق إنجازات على الصعيد العلمي والاقتصادي.

التطابق بين الفكر والسلوك وأثره على الانضباط

قد يُصاغ الفكر بكلمات مكتوبة، أو بكلمات مسموعة، والأخيرة أكثر قوة من الأولى حيث يتاح للسامع أن يتيقن من نبرة المتكلم ومدى تطابقها مع مضمون الكلام، كما يُتاح للمتكلم أن يدافع عن أفكاره إذا ما فاجأه أحد المستمعين بسؤال أو انتقاد معين.

لكن، في حالة أن يخشى من يستمع للخطاب على نفسه من عواقب الانتقاد، فإنه يفضل السكوت مع الاحتفاظ بعدم قناعاته الداخلية لنفسه. وهو بذلك يتشابه مع من قرأ خطابا بشكل تعليمات أو أوامر أو شرحا لتلك التعليمات والأوامر، يعلم علم اليقين أن من أصدر تلك التعليمات والأوامر لا يلتزم بها، كموظف الجمارك الذي اطلع على حالات رؤساءه في تعاطي الرشاوى وقبول الهدايا على غير وجه حق، فإنه والحالة هذه سيبحث عن طرق ومنافذ تجعله يتهرب من الانضباط في تطبيق تلك التعليمات.

أو ذلك الكاتب الذي ينتقد حالات الفساد في بلد ما، في إحدى مقالاته أو أعماله الفكرية، ويشاهد في مؤتمر عام أو لقاء جماهيري وهو يكيل المديح لأركان النظام الحاكم. ففي تلك الحالة سيتعامل القراء مع شخصية ذلك الكاتب باستخفاف كامل، ولا تشكل كتاباته المحفزة لنمو مشاعر التغيير في المجتمع أي أثر للدعوة للانضباط العام في التوجه لذلك التغيير.

خلاصة القول في هذا المجال، أنه لم تظهر كتابات تتبنى الدعوة للجهل والظلام والفساد و المحسوبية، بل كلها كتابات تدعو للفضائل، ولكن ما يميز أثر تلك الكتابات هو سلوك أصحابها، وتطابق أفعالهم مع ما يعلنون أنهم يؤمنون به.

عدم فهم المُخَاطَبين يؤدي لفتور الانضباط

عندما يمتلئ الخطاب الفكري بدعوات التسامح والصبر والمضي قدما في العمل على صيانة أركان المصلحة العامة، مع إغفال حالة من يوجه لهم هذا الخطاب، فإن هذا الخطاب يصبح وكأنه (زنين) لا يجعل المستمعون يتوقفون عند تفاصيله.

هذه الحالة، نشاهدها في الانتخابات البرلمانية، عندما يمتلئ خطاب المرشح بالدعوة للعدالة والعمل من أجل تحقيق الوحدة العربية، فإن الناخب الذي يوجد في بيته أربعة من الشباب العاطلين عن العمل، سينظر لذلك الخطاب نظرة استغراب، وسيعطي صوته لمن يحل مشكلة البطالة لأحد أفراد أسرته حتى لو كان لصا. وهنا حدث عدم انضباط عند الناخب لانتخاب من يستحقون الصوت على مقياس المُثُل العليا.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس