عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-02-2009, 12:23 AM   #15
سيدي حرازم يطرونس
المشرف العام
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
الإقامة: SDF
المشاركات: 1,056
إفتراضي

دعونا لا نفوت الفرصة لنستوعب كل كوميدية المشهد ومأساويته السوداء في نفس الوقت.
إن الخلل تاريخه قديم.. والقضية ميعت عندما غيبت الحقائق، وصار التلفزيون صانع الرأي. والواقع يا سادتي أنه لا يمكن قول الحقيقة في التلفزيون، فهناك أناس كثيرون قد يشاهدونها.

فتح وعرفات، حاربوا في الداخل والخارج، ما مارسه رجال عرفات يفوق ألف مرة ما فعلته حماس، كانت فتح، وكانت المنظمة، تحارب في الداخل والخارج، كانت الكابوس المرعب لإسرائيل، وتوالت شهور وسنين لتعري عن حقيقة الدعم العالمي، العربي، أو غيره، مما يمكن التعويل عليه، فارتكبت أخطاء، وكان بعضها قاتلا، أسوق واحدا منها فقط، هو تسرع عرفات لدعم صدام، إبان غزوه للكويت، فانكفأت القضية الفلسطينية على نفسها، بغضب الخليجيين، وتلكؤ غيرهم في شمال أفريقيا، وليكتشف الفلسطيني والعربي، أن قضيتهم المقدسة لم تكن سوى وسيلة لقمع شعوبها وتأخير موعدها مع الديمقراطية، وبعد أن صدت الأبواب في وجه عرفات، صار يبحث عن حل، كيفما كان هذا الحال، ولو كان دون مستوى أحلام وتوقعات الشارع الفلسطيني من قبل، فاختار الطريق الممكن، والطريق الوحيد أمامه، وهو الخروج بـ "شيء ما" بعد كل هذا النضال، فكانت غزة أريحا، على أساس أن "البقية تأتي". وكانت أوسلو.
وفي المقابل، حكم ذاتي في مقابل اعتراف بدولة إسرائيل.
كان هذا هو الحل الممكن، خاصة أن العرب لا يعول عليهم، العالم الاسلامي لا يعول عليه، العالم الغربي لا يعول عليه.

"متى ستعي أيها الفلسطيني أنك منذ أن ولدت من رحم الأحزان باعوك في المزاد العلني، وبقيت وحدك يا ابن أمي ! ."
تتمة القصيدة ستجدونها عند العم جوجل.

نعود.
عرفات دفع ثمنا غاليا، هو الاعتراف باسرائيل، وفي مقابله أخد اعترافا بسلطة حكم ذاتي على غزة وأريحا والبقية تأتي... لتكون الخاتمة في المستقبل، قيام الدولة.
لكن.
وأف دائما على هذه الكلمة.

لكن، هنا برز لاعب جديد.. تسامح معه عرفات، كورقة يفاوض بها، يناور بها ويلعب بها..
وتسامحت معها إسرائيل، كورقة تضعف بها فتح، وتقوض من جبروتها، وعملياتها التي أجبرت هذه الدولة العبرية على التخلي عن قطعة أرض للفلسطينيين، لأول مرة، دفع فيها رئيس دولة حياته ثمنا.
هذا اللاعب الجديد، انفلت من قمقمه، وانقلب السحر على ساحره، وذلك مرتين.
ودعونا مع الأولى.
لماذا تشارك حماس في العملية السياسية ؟
بأي وجه حق تدخل الانتخابات ؟
أليست سلطة الحكم الذاتي، أليست الانتخابات، ثمرة إتفاق أوسلو ؟
أوسلو الذي دفعت ثمنه فتح لوحدها..
ثمنا في تاريخها و وطنيتها.
وحماس، تأكل من ثمرة أوسلو، وفي نفس الوقت تلعن زارعها.
وتضرب في فتح، وتناديها بالخائنة، والقيادة العميلة..
هنا لابد أن تشعر فتح بالغضب الشديد.

الانتخابات والحكم هما نتيجة كفاح مرير وتنازلات مؤلمة، لم تساهم فيها حماس سوى بالخطب العصماء، وكيل الاتهامات الكبيرة جدا لفتح وجميع قياداتها، بالعمالة والخيانة وبيع الوطن.
قلت لا بد أن تغضب فتح، لأن حماس وصلت الحكم، ولم تناضل من أجله، اللهم بالخطابة الدينية والأعمال الخيرية.

وإذا كنا نفهم أن "فتح" قد مارست الحكمة السياسية، واحتفظت بحماس، منذ كانت في المهد، من أجل اللعب بتلك الورقة في مفاوضاتها مع إسرائيل، فإننا نفهم أيضا، أن تبادل الأدوار لن يكون صحيحا البتة أمام هذا الاختلاف الايديولوجي الكبير.
فحماس لن تتردد في القضاء على فتح، ولن تترد في سحقها لو واتتها الفرصة، لأن عقيدتها السياسية تقول بذلك حتى لو أنكروا أمام الملأ أو دافع عنها أي مدافع.
الأمر واضح وضوح الشمس في نهار صيفي.. وهذا سبب خلافي معها.

فلا جديد عند الإسلاميين جميعا، سوى المزيد من محاولة رفع أيديولوجيتهم فوق التاريخ وفوق النقد بل وربطها بالحقيقة المطلقة.. ومن المؤكد أن الدوغما، أي دوغما، صالحة من حيث تقريرها حقيقة مطلقة ما، في النهاية ستكون حتما أساسا لسلطة مطلقة.. هذا هو الإسلام السياسي..
حكومة الله.. وإرادة الله في الأرض، وينبغي إزاحة كل من يقف في طريق إرادة الله.. سواء كان اسمه فتح، أو غلق.

وحكم حماس لغزة جعلها تدخل عصرا من الإرهاب يتضاءل إزاءه كل إرهاب تقترفه فتح.. ذلك أنك لن تجد أقسى قلبا ولا أفتك يدا من إنسان يثب على عنقك ومالك ويقتلك ويسلبك، معتقدا أنه يتقرب إلى الله بذلك.. و ينفذ أوامره وشرائعه.
ولقد رأينا ذلك فيما تناقلته وسائل الإعلام على استحياء، مع الاحتفاظ أيضا، بمؤاخذاتها على هذه الوسائل الإعلامية.

أليست حماس هي أيضا تحمل نفس القولبة الإيديولوجية لسياسات التثبيط الديني، من قبيل موقف بعض الحمقى من الإمام الجائر، ورفض الخروج عليه باعتبار هذا الخروج يؤدي إلى الفساد لا إلى الإصلاح، يكفي أن يكونوا في الحكم والمسيطرين على مقاليده ليقرروا ذلك.
يقول أحدهم : "إن أسوأ ما في المتدينين أنهم يتسامحون مع الفاسدين ولا يتسامحون مع المفكرين"...

تحياتي.




__________________
"Noble sois de la montaña no lo pongais en olvido"
سيدي حرازم يطرونس غير متصل   الرد مع إقتباس