عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-01-2009, 02:27 AM   #4
aboutaha
زهير عكاري
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2000
المشاركات: 7,140
إفتراضي

وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدنيا: (نقل الأثبات من المؤرخين: أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل إليه وإلي جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله ؟! فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي ؟ قال ابن الزبير: يوزن به العقول !) .
وروي الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالة في السماع بسنده إلي ابن سيرين قال: (إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل علي ابن عمر، وفيهن جارية تضرب. فجاء رجل فساومه، فلم يهو فيهن شيئًا. قال: انطلق إلي رجل هو أمثل لك بيعًا من هذا. قال: من هو ؟ قال: عبد الله بن جعفر .. فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن، فقال لها: خذي العود، فأخذته، فغنت، فبايعه ثم جاء ابن عمر ... إلخ. القصة) .

وروي صاحب "العقد" العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي: أن عبد الله بن عمر دخل علي ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود، ثم قال لابن عمر: هل تري بذلك بأسًا ؟ قال: لا بأس بهذا، وحكي الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص: أنهما سمعًا العود عند ابن جعفر، وروي أبو الفرج الأصبهاني: أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء المزهر بشعر من شعره.
وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك. والمزهر عند أهل اللغة: العود.
وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة. ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاووس، ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين. ونقله أبو يعلي الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة.

وحكي الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف، وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود، وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورًا في بيت المنهال بن عمروا المحدث المشهور.
وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.
قال ابن النحوي في العمدة: (وقال ابن طاهر: هو إجماع أهل المدينة. قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة. قال الأدفوي: لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلي إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم.

وحكي الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية، وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي، وحكاه الإسنوي في "المهمات" عن الروياني والماوردي، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر، وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي، وجزم بالإباحة الأدفوي.

هؤلاء جميعًا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة -أي آلات الموسيقي- وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق علي حله، ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه، ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه، ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضًا إجماع أهل المدينة عليه، وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيها بالعبادة والذكر. قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر -كما رواه ابن عبد البر وغيره- وعثمان- كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي -وعبد الرحمن بن عوف- كما رواه ابن أبي شيبة- وأبو عبيدة بن الجراح- كما أخرجه البيهقي- وسعد بن أبي وقاص- كما أخرجه بن قتيبة- وأبو مسعود الأنصاري- كما أخرجه البيهقي- وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد- كما أخرجه البيهقي أيضا- وحمزة كما في الصحيح- وابن عمر- كما أخرجه ابن طاهر- والبراء بن مالك- كما أخرجه أبو نعيم- وعبد الله بن جعفر- كما رواه ابن عبد البر- وعبد الله بن الزبير- كما نقل أبو طالب المكي- وحسان- كما رواه أبو الفرج الأصبهاني- وعبد الله بن عمرو- كما رواه الزبير بن بكار- وقرظة بن كعب- كما رواه ابن قتيبة- وخوات بن جبير ورباح المعترف- كما أخرجه صاحب الأغاني- والمغيرة بن شعبة- كما حكاه أبو طالب المكي- وعمرو بن العاص- كما حكاه الماوردي- وعائشة والربيع- كما في صحيح البخاري وغيره.

وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري.
وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية) . انتهي كلام ابن النحوي. هذا كله ذكره الشوكاني في نيل الأوطار (جـ 8/264-266) .

قيود وشروط لابد من مراعاتها:
ولا ننسي أن نضيف إلي هذه الفتوي قيودًا لابد من مراعاتها في سماع الغناء.
فقد أشرنا في أول البحث إلي أنه ليس كل غناء مباحًا، فلابد أن يكون موضوعه متفقًا مع أدب الإسلام وتعاليمه.
فالأغنية التي تقول: "الدنيا سيجارة وكاس" مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب "الكأس" عاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل. والتدخين أيضًا آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم والنفس والمال.

والأغاني التي تمدح الظلمة والطغاة والفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا، مخالفة لتعاليم الإسلام، الذي يلعن الظالمين، وكل من يعينهم، بل من يسكت عليهم، فكيف بمن يمجدهم ؟!
والأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة أو صاحب العيون جريئة أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم … وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) (النور: 30، 31). ويقول –صلي الله عليه وسلم- يا علي : "لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولي وليست لك الآخرة".

ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلي إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة- ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلي دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع علي الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تلح علي جانب واحد، هو جانب الغريزة الجنسية وما يتصل بها من الحب والغرام، وإشعالها بكل أساليب الإثارة والتهيج، وخصوصًا لدي الشباب والشابات.

إن القرآن يخاطب نساء النبي فيقول: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) . فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير ؟!
ومن ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، بلا قيود ولا حدود، وهذا هو المألوف في مجالس الغناء والطرب من قديم. وهي الصورة المائلة في الأذهان عند ما يذكر الغناء، وبخاصة غناء الجواري والنساء.

وهذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره: "ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".
وأود أن أنبه هنا علي قضية مهمة، وهي أن الاستماع إلي الغناء في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء، ومخالطة المغنين والمغنيات وحواشيهم، وقلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع، ويكرهها الدين.
أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلي الأغاني وهو بعيد عن أهلها ومجالسها، وهذا لا ريب عنصر مخفف في القضية، ويميل بها إلي جانب الإذن والتيسير.

هذا إلي أن الإنسان ليس عاطفة فحسب، والعاطفة ليست حبًا فقط، والحب لا يختص بالمرأة وحدها، والمرأة ليست جسدًا وشهوة لا غير، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل، وموازنة مقسطة بين الدين والدنيا وفي الدنيا بين حق الفرد وحقوق المجتمع، وفي الفرد بين عقله وعاطفته، وفي مجال العاطفة بين عواطف الإنسانية كلها من حب وكره وغيره وحماسة وأبوة وأمومة وبنوة وأخوة وصداقة ... إلخ فلكل عاطفة حقها.

أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة فذلك علي حساب العواطف الأخري، وعلي حساب عقل الفرد وروحه وإرادته، وعلي حساب المجتمع وخصائصه ومقوماته، وعلي حساب الدين ومثله وتوجيهاته.

إن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتي في العبادة فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحًا ؟!
إن هذا دليل علي فراغ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة، والأهداف العظيمة، ودليل علي إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحمود وعمره القصير، وما أصدق وأعمق ما قال ابن المقفع: (ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع) وفي الحديث: "لا يكون العاقل ظاعنًا إلا لثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم"، فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ولنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه ؟
وبعد هذا الإيضاح تبقي هناك أشياء يكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة، ويسبح به في شطحات الخيال، ويطغي فيه الجانب الحيواني علي الجانب الروحاني، فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة علي قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.

تحذير من التساهل في إطلاق التحريم:
ونختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلي السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة "حرام" ويطلقون لها العنان في فتواهم إذا أفتوا، وفي بحوثهم إذا كتبوا، عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ويعلموا أن هذه الكلمة "حرام" كلمة خطيرة: إنها تعني عقوبة الله علي الفعل وهذا أمر لا يعرف بالتخمين ولا بموافقة المزاج، ولا بالأحاديث الضعيفة، ولا بمجرد النص عليه في كتاب قديم، إنما يعرف من نص ثابت صريح، أو إجماع معتبر صحيح، وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعة، ولهم في السلف الصالح أسوة حسنة.

قال الإمام مالك رضي الله عنه: ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا، وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا، ولو وقفوا علي ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليًا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل -وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي -صلي الله عليه وسلم- فكانوا يجمعون أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا قد هذا صار فخرهم، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم قال: ولم يكن من أمر الناس ولا من مضي من سلفنا الذين يقتدي بهم، ومعول الإسلام عليهم، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أنا أكره كذا وأري كذا، وأما "حلال" و "حرام" فهذا الافتراء علي الله. أما سمعت قول الله تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) يونس: 59؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرماه.
ونقل الإمام الشافعي في "الأم" عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال:
(أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير.

وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم -وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه ! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .
هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته.
وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).
والله أعلم
__________________


التطرف آفة عظيمة وصفة ذميمة تدمر الوطن وتضع المجتمع

____المسنجر معطل والموبايل ضايع _____
__________________________
__________________________
aboutaha غير متصل   الرد مع إقتباس