(7)
لم يتذكر الشيخ مطيع بأنه ساهم خلال أكثر من سنة في أي حديث جاد، ولم يتذكر أنه تقدم بأي مقترح، ولكنه اكتفى بدور أنه سحب أوراق القرعة في الاجتماع الأول، وأصبح هذا الحدث أو الإنجاز لا يبعث له الشعور بالراحة، كان يحس ببعض الرضا عندما يبادر الجميع بتخصيص تحية رقيقة له كونه أكبر الأعضاء عمرا، ولكن هذا التخصيص أصبح موضع مضايقة نفسية له، فبعد أن يجيب عن الأسئلة المرافقة لتحيات الملاطفة عن أولاده وأحفاده وأولادهم، يتمتم ببعض كلمات الشكر المتزاحمة دون ترتيب، ثم يعدل من جلسته ويوازن موضع عقال رأسه، ويبلع ريقه، فهو لا يدخن، ولا يتحدث ويخجل أن يخرج (مسبحته) ليسبح بحمد الله في حضور الآخرين.
وإذا ما سأله رئيس المجلس عن رأيه، يوافق على رأي الذين سبقوه في إبداء رأي ما، وكان لا يعرف حتى إعادة تفاصيل ما تحدث به من سبقه، أو حتى أحيانا لا يستطيع التعبير عن الموضوع بإيجاز، فيقول: مثل ما تفضل (أبو فلان) ولم يخطر بباله أن أبا فلان لم يتحدث مطلقا، فعندما يصحح له أحدهم اسم ابن آخر من تحدث، يزداد حرجا وتحمر وجنتاه، ويتمنى ساعتها أنه لم يتقدم لمثل هذا المنصب الذي يسبب له الحرج.
(8)
استخرج رئيس اللجنة النقابية العمالية ورقة من جيبه، وطلب من رئيس المجلس أن يبدأ بطرح محتويات مقترحه والذي تم تثبيته بجدول الأعمال لتلك الجلسة، كان الموضوع يخص الاحتفال بعيد العمال العالمي والذي بقي عنه خمسة شهور، وتم تقديم المشروع ليكون هناك متسعا من الوقت للاستعداد اللائق لمثل ذلك الاحتفال.
كان المشتركون بالمشروع أربعة من أعضاء المجلس البلدي، فالغاية الأساسية منه هي نقل المعلومات التقنية الى المواطنين بصورة احتفالية، فاختاروا أول أيار/مايو ليكون موعدا لذلك.
تم الاتفاق على التحضير لتسمية العمال المبدعين من عمال البناء وعمال النظافة والنجارين المهرة والحدادين وتم تسمية أكثر من عشرين مسمى لهؤلاء المبدعين، مثل أفضل مربي للنحل، أفضل مزارع زيتون أوائل الطلبة، أفضل شاعر أفضل امرأة عاملة الخ.
كان على اللجنة أن تتصل بالبنوك والشركات التجارية للمساهمة في تخصيص جوائز قيمة للمكرمين، وكان على اللجنة أن تتصل بجامعتين حكوميتين وغرفة التجارة والنقابات المهنية للمشاركة في إنجاح هذا الاحتفال. وكان على اللجنة أن تتصل بفرق الفنون الشعبية لتأخذ وصلات بين الفقرات. وكان المكان الذي تم اقتراحه هو الملعب البلدي حيث يتسع لعشرات الآلاف من المواطنين.
كان رئيس المجلس البلدي يهز رأسه موافقا على ذلك، وكان الشيخ مطيع لا يخفي فرحه أن ينتسب لمثل ذلك الفريق.
استخرج المحامي ورقة من جيبه، وهي دراسة حالة المتسربين من المدارس، وكيفية التعاون مع مديرية التربية ومجالس الآباء والأمهات لمعالجة تلك الظاهرة الخطيرة.
اعتذر رئيس المجلس عن دراسة تلك الورقة ورحلها الى اجتماع قادم.
(9)
لاحظ بعض أعضاء المجلس البلدي أن هناك قطع (لوحات إعلانية) تخص شركة (كوكا كولا) وهي شركة مدرجة ضمن قوائم الشركات الواجب الالتزام بمقاطعتها من الجامعة العربية. قد انتصبت فوق بعض المحلات التجارية، فطلب من رئيس المجلس البلدي أن يضع تلك النقطة على جدول الأعمال.
عندما انعقدت الجلسة، بادر المحامي بالحديث عن وجود تلك اللوحات وخطوة ذلك، وكون المجلس البلدي يمثل القيادة الأدبية للمدينة، فلم تكلف جهة ما نفسها حتى بتبليغ المجلس البلدي بالسماح لتلك الشركة المشمولة بالمقاطعة العربية.
تجهم رئيس البلدية، وقال: ألا تعلمون من سمح لتلك الشركة بذلك؟ كان الجميع يعلم تفاصيل إعطاء بعض الرجال المهمين نسبة معينة، ولكن بعضهم أصر أنه لا يعرف ولا يريد أن يعرف، وطرح اقتراحا بإغلاق المحلات التجارية التي تتعامل مع تلك الشركة أو تضع لوحاتها الإعلانية.
تم طرح المشروع للتصويت، فلم يصوت لصالح إغلاق المحلات إلا اثنان، فسقط المشروع.
استطاع المحامي الالتفاف على القضية، بأن استخرج مادة تلزم الشركة المنتجة بدفع عشر دولارات عن كل متر مربع من اللوحات الإعلانية، وبعد موافقة المجلس على الاقتراح الجديد تم مخاطبة الشركة، فأرسلت (شيكا) بمبلغ 15 ألف دولار بدل لوحات الإعلانات للبلدية.
وبعدها بأسبوعين تم حل المجالس البلدية كافة دون حجة قوية
انتهى الجزء الثاني
__________________
ابن حوران
|