عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-01-2009, 07:03 AM   #19
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

وبدأت الحملة الخامسة في شهر تموز 1169، فقد غادر الأسطول البيزنطي مياه الدردينل قاصدا قبرص ، وكانت أحد مراكز التعبئة العسكرية عند الإفرنج، وانضمت إلى الأسطول قوات إضافية، لتسير كلها إلى عكا، وكانت من أكبر ثغور الإفرنج على ساحل البحر الأبيض لمتوسط…وتم هناك وضع الخطة الهجومية على مصر، ولضرب الوحدة العربية، ودفع الخطر نهائيا والى الأبد، عن بيت المقدس.

وعقد المجلس الحربي في عكا، برئاسة الملك عموري، ونوقشت الخطة بكل تفاصيلها، وسلفا، وزعت الأسلاب واقتسمت الغنائم ، وتخصص للفرسان "الإستبارية" نصيب كبير من موارد مصر، مع أهم المدن المصرية بالذات مثل، الفيوم وأسوان وأطفيح وقوص والإسكندرية ودمياط والمحلة وتانيس، وغيرها وغيرها….تماما مثل حكاية العدوان الثلاثي على مصر الذي تم الاتفاق بشأنه في باريس في صيف 1956 بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وتقاسموا الغنائم والأسلاب، قبل أن ينطلقوا إلى الميدان!!

وأقلع الأسطول من عكا متجها إلى دمياط، وفي نفس الوقت، زحف الإفرنج برا في الطريق ‎إياه، من عسقلان إلى الفرما، ومنها إلى دمياط حيث نصبوا معسكرهم، "ومعهم المنجنيقات والدبابات وآلات الحصار" ..
وأطبق العدوان الثنائي على دمياط من البحر والبر، وكان أسطول الإفرنج مؤلفا من ألف مركب تحمل على ظهرها مائتي ألف فارس وراجل، مزودين بكل آلات الحرب والدمار والحصار، مما حمل مؤرخي الإفرنج على أن يسموا هذا الأسطول "بالأرمادا" المعروفة بالتاريخ.

ونهض صلاح الدين الأيوبي…وكان في ذلك الوقت وزيرا لنور الدين، بواجب الدفاع عن دمياط خير قيام، ذلك أنها معركة فاصلة، فإن سقطت دمياط بيد الإفرنج سقطت معها القاهرة ومصر كلها، واستتب الأمر للإفرنج لأجيال وأجيال…وإن انهزم الإفرنج وبقيت دمياط عربية، فالمعركة الأولى المقبلة بين العرب والإفرنج ستكون على أسوار بيت المقدس.

ومن هنا فقد كانت خطة نور الدين وهو في دمشق، وصلاح الدين وهو في القاهرة، أن يلحقا الهزيمة بالإفرنج مهما كانت التضحيات، وهما يعلمان يقينا أن معركة دمياط ستكون المعركة أمام دولة الوحدة المصرية الشامية، وهي لا تزال على أول الطريق.

وشرع صلاح الدين في الإعداد للدفاع المستميت، فقام بتحصين دمياط وشحنها بالرجال والسلاح، وملأها بالذخيرة والميرة، وأرسل قسما من جيشه مع ابن أخيه تقي الدين عمر، وقسما آخر مع خالد شهاب الدين…وقام نور الدين من جانبه باستنفار الجيش والشعب في ديار الشام، وأمدهم بالسلاح والمال والمؤن، وراح يرسل القوات الشامية إلى أرض المعركة في دمياط لتؤدي دورها في القتال جنبا إلى جنب مع القوات المصرية .

ولم يكتف نور الدين بذلك، بل إنه فتح جبهة ثانية على الإفرنج في ديار الشام، فقام بهجمات متلاحقة على مواقع الإفرنج وحصونهم وقلاعهم، فأنزل فيها الدمار، وكبد الإفرنج خسائر فادحة.

وكان نور الدين يخوض هذه المعارك في ديار الشام، دفاعا عن الأمة العربية، ووفاء لعهد أخذه على نفسه بأن لا "يظله سقف حتى يثأر من الإفرنج" ملتزما الجد الصادق في نضاله، بعيدا عن الراحة والسكينة….وحتى عن البسمة الهادئة…فقد قال لأصحابة وهم يسألونه عن سبب عبوسه…"أني لأستحي من الله أن يراني مبتسما في حين أن المسلمين يحاصرهم الفرنجة في دمياط".

وأين ذلك من قهقهات الملوك والرؤساء في هذا الزمان .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس