وابتهجت مصر لهذا النصر العظيم، واستقبل أسد الدين الأيوبي استقبال الفاتحين، وعسكرت قواته عند أبواب القاهرة على أرض اللوق، وازدادت حماسة الشعب، إلا الوزير شاور فإنه لم يرق له أن يتم هذا النصر على غير يديه، فدفعته نفسه الحاقدة إلى مراسلة الإفرنج مرة أخرى، وطلب نجدتهم، مشيرا عليهم بأن :"يكون مجيئكم في دمياط في البحر والبر".
وعلم أهل مصر بالخبر، فاجتمع الأعيان عند أسد الدين الأيوبي وقالوا له "شاور فساد العباد والبلاد، وقد كاتب الإفرنج وهو يكون سبب هلاك الإسلام، وطالبوا بقتل شاور الخائن وتحدث أسد الدين إلى أصحابه حديث المجاهدين شارحاً مكانة مصر , وقدرها في الوطن العربي الإسلامي كأنه يتحدث اليوم إلى المواطنين المعاصرين فقال :" قد علمتم رغبتي في هذه البلاد ومحبتي لها وحرصي عليها ، ولا سيما وقد تحقق عند الإفرنج منها ما عندي، وعلمت أنهم كشفوا عورتها، وعلموا مسالك رقعتها، وتيقنت أني متى خرجت منها عادوا إليها، واعتدوا عليها، وهي معظم دار الإسلام، وحلوبة بيت ما لهم، وقد قوي عندي أن أثب عليها قبل وثوبهم، وأملكها قبل مملكتهم، وأتخلص من شاور الذي يلعب فينا وبهم… وقد ضيع أموال هذه البلاد في غير وجهها وقوي بها الفرنج علينا…"
ولقي شاور مصرعه، واستبيحت أمواله وقصوره، ليكون عبرة باقية للذين يهادنون الأعداء، ولا يرعون واجب الوطن وحق الشعب .
ولكن نصيحة شاور التي بعث بها إلى الإفرنج "بأن يكون مجيئكم في دمياط في البحر والبر" قد تحققت بعد وفاته… وبهذا جاءت الحملة الخامسة، وعن طريق دمياط برا وبحرا، كما نصح شاور في حياته.
والواقع أن الإفرنج لم يكونوا بحاجة إلى من ينصحهم بالقيام بحملة جديدة على مصر، فإن الوحدة بين مصر والشام وانتصارها الأخيرعلى الإفرنج في معركة القاهرة، قد جعلهم يخشون على وجودهم في "مملكة بيت المقدس"، وأصبح لا مناص من أن يجمعوا جموعهم وأن يقوموا بالحملة الخامسة على مصر.
ولم يكن خوف الإفرنج على بيت المقدس، وهماً أو خيالاً، بل كان حقيقة راسخة، فهذا ابن الأثير يصف خوف الإفرنج بقوله "كان الفرنج لما ملك أسد الدين مصر ,قد خافوا و أيقنوابالهلاك وانهم خائفون على بيت المقدس وطالبوا الفرنج الذين بالأندلس وصقلية وغيرهما يستمدونهم "، (أي يطلبون منهم المدد) ..وهذا ما تم فعلا…فقد كان الإفرنج "خائفين على بيت المقدس" واستقر في عزمهم أن الدفاع عن بيت المقدس يقتضي الهجوم على مصر. أوليست إسرائيل، اليوم خائفة على بيت المقدس، ومن أجل ذلك فإنها تتصدى لمصر حينا بعد حين !!