عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-01-2009, 12:09 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

1ـ طبيعة الولاء والحاجة إليه.

دعنا، قبل أن نبدأ في صلب عنوان المحاضرة، أن نحاول أن نضع تعريفا أولياً للولاء حسب ما وضعه المؤلف (( إن الولاء هو التفاني الإرادي العملي المستمر، من قِبل فرد ما، تجاه قضية معينة. يعرف منها ما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن يقوم به من الأفعال. والولاء ضروري، لأنه يقضي على حالة التردد والحيرة الأخلاقية، ويحقق به الفرد الخير لنفسه... فالفرد لا يستمد خيره من الخارج، ولا يعرف واجبه منه، ودائما ما يلجأ الى الداخل، لاستشارة إرادته العاقلة)).

(1)

تعرض الدين والعلم والأخلاق الى معاول النقد باستمرار، والنقد الذي يأتي للمنظومة الخلقية لا يأتيها من العصاة والمارقين الذين لا يقيمون وزنا للمثل الأخلاقية فحسب، بل يأتي هذا النقد من قِبل أشخاص يطرحون أنفسهم كحريصين مخلصين للإنسانية. ففي حين تعتبر قوانين الملكية الشخصية من المسلمات التي يجب صيانتها واحترامها ببعديها القانوني والخلقي، نجد أن هناك من يعتبرها تخلو من المسحة الأخلاقية، فقد يكون الوارثون لملكيات في الأرض أو المال أو المؤسسات قد انتقلت لهم تلك الملكيات من أناس غاصبين أو مرتشين، أي من خلال طرق لا أخلاقية، فاعتبروا أن قانون حماية الملكية ( لا أخلاقي)، وهو ما ساد في القرون التي ازدهر فيها التفكير الاشتراكي، منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى اليوم.

كما التقى الفكر الليبرالي مع الفكر الماركسي والوجودي على أنه لا يمكن اعتبار تقديس الروابط الأسرية واعتبارها من الفضائل، بل هي روابط لا قيمة لها.

إن الهجوم الكبير الذي وجهته النشاطات الفكرية على القيم الأخلاقية القديمة، وضع تلك القيم كمطلب أساسي عند تلك النشاطات لتجاوزها واعتبارها من التقاليد القديمة البغيضة، وهي بنظر أولئك المفكرين تعتبر أخلاقا زائفة.

(2)

إن مهمة الفلاسفة الحديثين هي الوقوف والتأمل أمام هذا النشاط الذي أفرزه نشاط المهاجمين للقواعد الخلقية القديمة، هذا النشاط الذي جعل العالم مرتبكا وحائرا أمام خيارين، إما التمسك بالأخلاق القديمة على ما هي، أو مسايرة التوجه الجديد بما فيه من فوضى تجعل العالم وكأنه بلا أخلاق.

لكن، بالمقابل (والحديث للمؤلف) فإن حافظات القواعد الخلقية وجدت في الكتب السماوية التي يعاد طباعتها كل عام كما كانت عليه قبل آلاف السنين، مما يجعلها لا تواكب ضرورات التغير الحضاري بشكل يجعلها ملائمة لهذا التغير المتسارع.

لذا يقع على الفلاسفة دور كبير في استنبات القيم الأخلاقية الفعالة التي تواكب العصر، ولا يعني هنا التوجه للقطيعة الكاملة مع الماضي، بل أخذ بذور فضيلة الماضي واستزراعها في بيئة جديدة تحتاجها.

(3)

يقول المؤلف: لقد استوحى عنوان كتابه (فلسفة الولاء) من قراءة كتاب كتبه عالم الأجناس (رودلف شتاين متز) بعنوان (فلسفة الحرب)، فوجد علاقة كبيرة بين إرادة الحرب و (الولاء)، ويضيف أنه لولا الولاء الشديد لاختفت الحروب، وأن الحرب توفر فرصة هامة ونادرة لتجديد الولاء.

ويحاول الكاتب الرد على من يعتبرون أن الولاء والانجرار وراء الحروب يعتبر نوعا من الضلال والضياع، فيقول: يكمن هذا النوع من الانحراف بالولاء الى تهدم القيم الأخلاقية السائدة التي تجعل من الحروب بحد ذاتها هدفا دون أن تكون من أجل الدفاع عن سيادة القيم الخلقية.

(4)

يحس المؤلف أنه أصبح غير مقنعٍ، فيعود الى تحديد مفهوم الولاء لدى الفرد، فيقول: يتصف الفرد بالولاء، أولا، إذا كان لديه القضية التي يتجه بولائه لها. وثانيا: عندما يهب نفسه لخدمتها طواعية. وثالثا: عندما يعبر عن هذا الإخلاص والتفاني للقضية، بطريقة عملية مقبولة، وبخدمة متواصلة وفعالة دائمة. ويضرب أمثلة على هذا النوع من الولاء، إخلاص المواطن لوطنه، واستعداده للتضحية بحياته من أجله. وإخلاص المؤمن لدينه. وتفاني قائد السفينة في تأدية وظيفته، إذا ما واجهت السفينة كارثة، لا يغادرها إلا بعد بذل قصارى جهده.

ويشير الكاتب الى الصفة الأولى بالولاء، وهي أن يكون للفرد قضية، فيقول: لم يحدد أن تكون تلك القضية خيرة أو شريرة، فهذا ليس مجال حديثه الآن.

(5)

يشعر كثير من الناس أنهم بحاجة للولاء، وأن الولاء مصدر خير لهم. ولكن إذا تساءلنا: لماذا يحتاج فرد ما للولاء؟ سيلاقي من يتلقى مثل هذا السؤال صعوبة كبيرة في الإجابة الفورية عليه. ويصمت ويضع بعض الخيارات: أنه ربما يحس أن الوطن أو الجماعة بحاجة إليه فلا بد من الولاء للوطن أو الجماعة! أو أن الوطن أو الجماعة لهم فضل عليه فلا بد له من تسديد هذا الدين الأخلاقي!

يقول الكاتب: أنه لن يجيب بوضوح عن دوافع الفرد للولاء لغيره في الوقت الحاضر، لكنه يكتفي بالقول بأن الفرد المحتاج للولاء يظن أن في ذلك خيرا له.

(6)

ما الذي نحيا من أجله؟ ما هو واجبنا؟ ما هو المثل الأعلى الحق للحياة؟ ما هو الفرق الحقيقي بين الصواب والخطأ؟ وما هو الخير الحق الذي نسعى إليه جميعا؟

سلسلة من الأسئلة طرحها الكاتب، وانتهى الى القول في إجاباتها التفصيلية أن تلك الإجابات تحددها قوى خارجة عن إرادة ذات الفرد، فتأتي من الأب والأم والمدرسة ومن دور العبادة، وستكون إجابة الفرد متأثرة بما أرادته القوى الخارجية، وينتهي الى القول بأن الله عز وجل هو مصدر الحقيقة المطلقة، وبقدر ما ينصاع الفرد لإرادة الله بقدر ما تكون نظرته حول الإجابة على تلك التساؤلات، وهنا يكون دور فهم المدرس لما فهمه أصلا من تلك الإجابات وفهم الأم والأب وكل سلطة خارجية لتلك الحقائق والقيم.

(7)

وهكذا، سنجد أنفسنا أمام موقف يتصف بالتناقض الظاهري ويمثل الموقف الأخلاقي لكل منا. فإذا أردت معرفة واجبي، لا بد أن أستشير إرادتي العاقلة. فأنا وحدي القادر أن أبين لنفسي لماذا أعتبر هذا أو ذاك واجبا لي.

وطبعا، بتنوع مصادر التأثير الخارجي للأفراد، وبقدر ما يتلقى الفرد من تلك المؤثرات وما يؤمن بها يصبح الولاء متفاوتا بين الأفراد حسب تفاوت فهمهم وإيمانهم بما تلقوه من تلك المؤثرات، فيصبح شخص ما بطلا، ويكون شخص ما خائنا.

(8)

في حالة إذعان الكائن الاجتماعي لمجتمعه وقيمه، فإن مهارات اجتماعية كثيرة سيكتسبها طوعيا مثل فن الحديث والمبارزة والقتال والتغلب على الآخرين في الحوار ومحاولاته المستمرة في توكيد ذاته المتفوقة (أو التي يريدها أن تتفوق على الآخرين). ويكون هنا فردا منضبطا اجتماعيا وبعيدا عن الفوضوية وعدم المبالاة.

وتعمل النكبات والحروب وأجواء التنمية عمل المحفز الكبير لاصطفاف الموالين حول قضية ما. وتخلق تلك الظروف جوا عاطفيا يعزز حب التوجه للولاء والتسابق في ترتيب درجة هذا الولاء للأفراد بالمجتمع.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس