عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-01-2009, 08:25 PM   #15
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

وكان أول تفكيره أنه لا بد من السيطرة على الصحراء الممتدة من البحر الميت حتى خليج العقبة، وهي المنطقة المعروفة بوادي عربة… وهذه المنطقة تؤلف بمواقعها الإستراتيجية خطاً دفاعياً عن بيت المقدس، واحتلالها من شأنه أن يعزل مصر عن بقية الوطن العربي، ويقطع الطريق البري بينها وبين ديار الشام والعراق والحجاز.

خرج بلدوين في غزوته الثالثة، وكانت هذه المرة مركزة على سيناء في اتجاه مصر، فإن مصر هي القوة العربية الكبرى ، ولا بد من التحرش بها، وتطويقها، بادئ ذي بدء، حتى يتيسر غزوها والاستيلاء عليها.
وكان الإفرنج على علم بحياة الفاطميين في القاهرة، وتخاذلهم وتقاعدهم عن الجهاد، فخرج بلدوين يتصدى لهم في عقر دارهم، وكانت القوة التي يقودها لا تتجاوز مائتين من الفرسان وأربعمائة من المشاة…. وكان ذلك منتهى الاستهانة بالخلافة الفاطمية .

وبدأ زحف الإفرنج على سيناء، واستطاع بلدوين أن يخترق الصحراء من غزة حتى العريش… ثم واصل الإفرنج زحفهم حتى وصلوا إلى الفرما في ربيع 1118 واستولوا عليها…. ونهبوها ووضعوا يدهم على غنائم وفيرة.

وفي هذه المسيرة الطويلة من بيت المقدس إلى الفرما، لم يجد بلدوين مقاومة تذكر، وكان احتلال الفرما نفسها سهلا يسيرا، فقد هرب سكانها المصريون، تاركين متاعهم وأموالهم نهبا للغزاة… وماذا يستطيع الشعب الأعزل، ومليكه ناعم في قصوره، غارق في فجوره…

هذا، ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الفرما كانت مدينة من حصون مصر القديمة واقعة في الجهة الشرقية، وعلى بعد 25 كيلو مترا من مدينة بور سعيد… وكانت فيها على الدوام منذ عهد الفراعنة قوة عسكرية للمحافظة على حدود مصر الشرقية (وقد تابعنا أهميتها فى فتح عمرو بن العاص لمصر) .

والواقع أن القدر-والقدر وحده- هو الذي تدخل لإيقاف هذه الحملة عند المكان الذي وصلت إليه… فقد مرض بلدوين وتوفي قرب العريش. وعاد إلى بيت المقدس ميتا ليدفن في كنيسة القيامة.

ولكن الشعب، بطريقته الخاصة وبالوسائل التي يملكها، هو الذي أعرب عن مقاومته، وسخريته…والمصريون خاصة ، من الأمة العربية، يملكون مهارات خارقة بالنكته الساخرة، قولا وعملا… ولذلك حكاية طريفة، لا بد أن نقف عندها، ولو في غاية الإيجاز.

يقول ابن الأثير أن سبب وفاة بلدوين "أنه سبح في النيل عند تنيس وانتقض جرح كان به" كما يقول غيره من المؤرخين أن وفاته كانت بسبب أكلة سمك من بحيرة المنزلة.
وكأننا ما كان السبب، فقد ذكر أبو المحاسن بصدد وفاة بلدوين "فشق أصحابه بطنه ورموا حشوته (أمعاءه) هناك، وهي ترجم إلى اليوم بالسبخة".

وهكذا فقد مضت أجيال من الشعب المصري ترجم ذلك المكان. وسمته سبخة البردويل (بلدوين) ولا يزال هذا الاسم جزءا من جغرافية سيناء، ابتدعه الشعب منذ ذلك العدوان الغاشم!!

وإذا كان الشعب المصري قد رجم سبخة البردويل لعنا لملك الإفرنج، فإن مؤرخ النجوم الزاهرة، قد ندد الملك الفاطمي بقوله :"هذا كله- قد جرى- بتخلف هذا المشؤوم الطلعة" عن الجهاد…والمشؤوم الطلعة هو الخليفة الفاطمي الذي يعنيه أبو المحاسن، ولا يعني سواها‍‍‍‍‍‍‍‍!!

كانت هذه إحدى أسوأ اللحظات فى تاريخ مصر والعرب أجمعين ..

والتاريخ عجيب .. فلا يكاد الدهر يرزء أمة بخطب عظيم إلا ومن بعده نصر جديد ..

كانت هذه صفحة مظلمة سوداء من صفحات الإنكسار ..

لكننا الآن على موعد مع صفحة مشرقة من صفحات المجد ..

عهد جديد ..

وبطل جديد ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس