إذن فحدود ملك الله فوق تصورنا .. لذلك نتساءل أي عظمة هي عظمة كرسي ذي الجلال والإكرام؟ الحق عز وجل يقول: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما( ومعنى أده الشيء .. أي أثقله. وحتى نفهم ذلك هب أن إنسانا يستطيع أن يحمل عشرة كيلو جرامات، فإن زدنا هذا الحمل إلي عشرين من الكيلو جرامات فإن الحمل يثقل عليه، ويجعل عموده الفقري معوجا حتى يستطيع أن يقاوم الثقل، فإن زدنا الحمل أكثر فقد يقع الرجل على الأرض من فرط زيادة الوزن!
إذن فمعنى (ولا يؤوده حفظهما( أي أنه لا يثقل على الله حفظ السماوات والأرض .. إن السماء والأرض وهما فوق اتساع رؤية البشر، قد وسعهما الكرسي الرباني. وقال بعض المفسرين: إذا كان الكرسي لا يثقل عليه حفظ السماوات والأرض فما بالنا بصاحب الكرسي؟ هاهو ذا الحق سبحانه وتعالى يطمئننا فيقول:إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41" (سورة فاطر(
إنه الحق وحده تبارك وتعالى الذي يحفظ السماوات والأرض في توازن عجيب ومذهل، ولئن قدر لهما أن تزولا .. فلن يحفظهما أحد بعد الله، أي لا يستطيع أحد إمساكهما، فهما قائمتان بقدرة الواحد القهار، وإذا أراد الله أن تزولا فلا يستطيع أحد أن يمسكهما ويمنعهما من الزوال. وقد بدأ الحق جل وعلا آية الكرسي بإثبات بعض الصفات له وهي الحي .. القيوم .. وكونه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم .. ويستلزم قيوميته أو قيامه سبحانه وتعالى بذاته وإقامته لغيره .. ويستلزم أن يكون له الملك حتى يتصرف في ملكه كيف يشاء. ويحدثنا تبارك وتعالى عن هذا الحفظ وهذه الرعاية الدائمة فيقول: ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين "16" كل شيطانٍ رجيمٍ "17" إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين "18"( سورة الحجر)
ويحدثنا عز وجل عن حفظه لبني آدم فيقول: وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "61" ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين "62" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين "63" قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون "64" (سورة الأنعام(
ومن مظاهر هيمنة الحق عز وجل على ملكه أنه يملك أن يزيد فيه أو ينقص منه ما يشاء ويعطينا عز وجل مثال على ذلك في قوله تعالى: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1" (سورة فاطر)
والكون ليس أزليا أبديا كما يعتقد بعض الملحدين .. فلا جدال في كونه مخلوق له بداية لم يكن موجودا قبلها، واستمراريته على هذا النحو من الثبات والانتظام ترجع إلي رعاية وحفظ الله له، وحين تشاء إرادته عز وجل لهذا العالم أن ينتهي .. سينتهي وسيختل النظام، وهذا ما سيحدث يوم القيامة، كما صوره الحق في العديد من الآيات القرآنية فقال سبحانه: إذا زلزلت الأرض زلزالها "1" وأخرجت الأرض أثقالها "2" وقال الإنسان ما لها "3" يومئذٍ تحدث أخبارها "4" بأن ربك أوحى لها "5" يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم "6" فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره "7" ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره "8" (سورة الزلزلة)
وقال عز وجل: إذا السماء انشقت "1" وأذنت لربها وحقت "2" وإذا الأرض مدت "3" وألقت ما فيها وتخلت "4" وأذنت لربها وحقت "5" يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحاً فملاقيه "6" (سورة الانشقاق(
وكما قال سبحانه: القارعة "1" ما القارعة "2" وما أدراك ما القارعة "3" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث "4" وتكون الجبال كالعهن المنفوش "5" فأما من ثقلت موازينه "6" فهو في عيشة راضيةٍ "7" وأما من خفت موازينه "8" فأمه هاوية "9" وما أدراك ما هيه "10" نار حامية "11"( سورة القارعة(
جميع الآيات السابقة تصف لنا هول القيامة، ونفهم منها أن هذا الثبات وهذا النظام الدقيق المحكم الذي ظن الملحدون أنه أزلي أبدي سوف يتحطم وينقلب رأسا على عقب، وساعتها سيدرك الجميع أن الكون كان يسير بأمر الله ورعايته وحفظه، وأنه حين شاء له النهاية .. كانت النهاية. وينبغي ألا ننسى أن هيمنة الحق جل وعلا تمتد لتشمل قلوب عباده، ويوم القيامة خير دليل على ذلك .. فالناس في هذا اليوم قسمان:
قسم تبلغ قلوبهم الحناجر من شدة الخوف والرعب .. وقسم من الفزع يومئذ آمنون .. فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وليس أدل على ذلك من أن الموقف يوم القيامة موحد على الجميع ولكن المشاعر شتى .. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهيمن على قلوبنا يوم الفزع الأكبر ويهبنا الثبات والسكينة والطمأنينة .. فهو عز وجل كما وصف نفسه: هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"(سورة الحشر(.
//-->
|