جواب الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد الطوسي تغمده الله برحمته
ألا أصغ يا ذمي إن كنت سامعا ** جواب سؤال رمته بالأدلة
ودبر بعقل مدرك سر ما بدا ** بإنشاء رب الكون في كل حالة
فأوجد كل الكائنات بعلمه ** وقدرته جبرا لمحض الإرادة
تصرف في مخلوقه بمراده ** لما شاء لا يدري خفي النهاية
فأبدع كل الكون من حيث لم يكن ** له صورة موجودة في البداية
سؤالك يا هذا فليس بوارد ** لإيراثه إظهار كل قبيحة
تصرف مملوك بإنشاء مالك ** على فعله بالنفع ثم المضرة
وإقداره فهم الحقائق كلها ** وتمييزه بين العطاء ومنحة
وتشريكه في ملكه ومراده ** ونسبته بالقبح في بعض خلقة
وإبدائه منع التصرف في الورى ** وإلزامه إبداء كل صنيعة
على وفق معلوم الخليقة كلها ** وذا شقوة تبدي خلائل زلة
وكل الذي قلنا مساخط ربنا ** كرد عبيد فعل مولاه بالتي
فما لم نشاهد نفعه ليس منكرا ** كموت خليل عند تلسيع حية
ولا ظلم عند السلب قدرة خلقه ** وإلزامه ما لم يدع في الجبلة
لإيجاده أشياء من غيب علمه ** وأحيا بها جودا وجودا برأفة
فيفعل في مخلوقه ما مراده ** وإن خفت من ذا ظواهر حكمة
فلولا يقول الله بالكسب معلنا ** لما جاء تخصيص لفعل بنسبة
إذا ذات مخلوق مجازا وغيره ** لتنصيصه جزما بنفي المشيئة
فلا ينظر الراؤون إلا بعقلهم ** قياسات وهم عاهدوها بعادة
كقيد غلام ثم أمر بمشية ** قبيح وذا من ملحقات السفاهة
وهذا قيسا باطل في فعاله ** إذ الكل موجود بحكم الإرادة
ولو قيل هذا قيل لم أوجد الورى ** فأعدمه من بعد حين بذلة
تنزه عن نفع وضر بفعله ** وذا قول من يجري بضرب بدرة
هو الخالق الرحمن كلا وجملة ** وبين في المنشا بعين حصيفة
بما شاء من أنواره وحياته ** وتسيير بعض في حنادس ظلمة
ورتب أجزاء الوجود محققا ** من الفعل والأرواح في بدو فطرة
وأبدى محلا ثالثا في انتهائها ** لإظهار أسرار الغيوب الغريبة
وأبدع بعد الكل مظهر وصفه ** وكمله فهما وعلما بعزة
وعرفه ما شاء من كونه له ** وطاعته في أمره المستديمة
وذاك هو الإنسان أفخر خلقه ** على كل كون بارتفاع وزلفة
فأعطاه عقلا يفهم الخير والتقى ** ويثبت باريه بأوضح حجة
وعلما وسمعا ثم نورا به يرى ** مراتب أشكال بدت في الشهادة
وخيره فيما يريد لنفسه ** بما احتاج إصلاحا لقومه صورة
ومكنه فيما يروم تكسبا ** بآثار فضل من نتائج نفحة
وركب فيه قوة غضبية ** لدفع الأذى من موبقات البلية
وتمم فيه شهوة سبعية ** لجلب مرادات له في الغريزة
فيثبت ما محبوبه لمراده ** ويدفع ما مبغوضه لشكيمة
فكلفه الرحمن بالشرع بعدما ** نفى عنه كل النقص في أصل خلقة
فلما سرى في مهمه النفس والهوى ** وخاض بحار الجهل من غير ريبة
أنت رسل من عند باريه معلنا ** مناهج ما أبدى لنفس منيرة
وأوجب إتباع الرسول على الورى ** وكلفهم إثبات فرض وسنة
وبين أن الكل من عنده بدا ** وطاعته حتم لكل البرية
قضى أزلا بالكفر والجهل والنوى ** لبعض فلا ينفعه قفوى الشريعة
وآخر مفطور صفى معارض ** إجازة كل المدركات بقوة
ولم يعلم المقتضي علم قضائه ** ليتبعه فيما أراد برأفة
ولكن لما مال نفس خسيسة ** إلى عدم الإسلام والتبعية
أضاف إلى الباري إرادة فعله ** وليس له علم بذا في الحقيقة
وأبقاؤها في الكفر ليس أمارة ** على أنها من بابه بطريدة
فقد عاش شخص كافرا طول عمره ** فأدركه سبق له بالسعادة
فأسلم ثم أمحى جلائل ذنبه ** فصار بفضل الله من أهل جنة
وآخر في الإسلام أذهب عمره ** بورد وأذكار وإكثار حجة
فأدركه سبق الكتاب بعلمه ** فصيره من أهل ذل وشقوة
وهذا هو الحكم المحقق دائما ** خفي على الألباب والألمعية
بيان وقوع الحكم من أول الدنا ** إلى آخر الأعصار في كل ذروة
فيا أيها الذمي هل أنت عارف ** بكفرك حتما عند أهل الشريعة
لتحكم أن الله بالكفر قاضيا ** ولم يرضه حاشاه في كل ملة
إذا كان قاضي الكفر في بدء خلقه ** فليس له تغيير حكم الإرادة
لقول نبي الله ما جف سابقا ** لتحقيق ما أبدى بحكم المشيئة
فليس لنا جزم بأنك كافر ** ولا حتم بالإسلام في كل حقبة
ولكن يبين الحكم قرب انتقاله ** بآية خير أو بسوء الأمارة
فإن كنت من أهل السعادة آخرا ** فما ضرك التهويد قبل الإنابة
وإن كنت من أهل الشقاوة واللظى ** فلا لك نفع إن أتيت بتوبة
فليس بمعلوم قضا الحكم جازما ** ولا عدم الرضوان حتما لشقوة
بل أعطاك عقلا ثم فهما محققا ** وأعلن منهاجا حوى كل خصلة
تشهد وجز تحت الشريعة مؤمنا ** بقدرتك الخيرية المستخيمة
كما أنت مختار لنفسك كل ما ** تحاوليه من مشبهات وشهوة
فإن لم تقل بالنسخ كنت مكذبا ** بما جاء موسى من بيان وشرعة
لرفعهما أحكام من كان قبله ** كتزويج بعض بين أخت بإخوة
وإن كنت بالنسخ المحقق قائلا ** فتابع لشرع حاز كل مليحة
وإن قلت بالنسخ المخصص واقعا ** فذا هو ترجيح بغير الأدلة
فهل أنت ساع إن أتتك خصاصة ** بوسعك حوبيا لاتقاء جوعة
وهل أنت إن فاجاك فعل منافر ** بقتل ونهب أو بشر وفتنة
تكون مضيفا كل ذاك حقيقة ** إلى الخالق الرحمن في كل لحظة
وإن كنت مختارا لنفسك عزها ** فبشر لها حتما بقول الشهادة
إذ الخاص ملزوم من العام مطلقا ** يبين هذا في دلائل حكمة
وإن كنت تسعى في بلائك مسرعا ** وتدفع ما لاقاك من كل هفوة
فلبست حينئذ بافك ولم تكن ** بفعل إله راضيا بالحقيقة
دعاك ولم ينسد دونك بابه ** فلج فيه واطلب منه خير الطريقة
فلو كنت مخلوقا لإسعار ناره ** فلا نفع في إقفاء كل شريعة
رضاؤك في هذا كلا شيء هاهنا ** لأنك مقبوض على شر قبضة
فأوجب رب الكائنات الرضا بما ** قضاه وأبداه بعلم وقدرة
ولم يرض أن ترضى بمقضيه كذا ** نهاك عن الفحشاء في كل لمحة
فليس الرضا عما نهاك رضاؤه ** ولكن رضاه في اتباع الإرادة
لما لاح بعد الكون عند وجوده ** لرؤية مكنون سرى في السجية
إذا شاء منك الكفر كنت معاندا ** ولم تقبل الشرع الجليل بخشية
وجود الرضا حسب القضا منك لا رضا ** فلا صدق في إقفاء حكم المشيئة
تناولك العمر القديم بصورة ** لإمضاء حكم بل لتركيب حجة
فليس اختيار في خلاف قضائه ** ولا عدل عن أحكامه لعزيمة
بل أعطاك حولا ثم كسبا محققا ** وجاد بأنعام الفهوم العميمة
فما قلت يا ذمي قول مسفسط ** فليس له عند العقول بعبرة
فلا دخل في قول الإله وفعله ** فيختار ما يختار من كل فعلة
ولا نجح فيما رمت إذ هو حسرة ** حوتها نفوس قسطها من شقاوة
جوابك يا ذمي أعداد ستة ** وتسعين بيتا من جواهر صنعتي
تروم دحاض الحق ويحك طامعا ** بأبياتك المدحوضة المستحيلة
إلهي تعطف وارحم العبد أحمدا ** بطوس بدت فيها له من ولادة
يخوض بحار العلم والحكم التي ** هي الغاية القصوى بنور العناية
بما نال من أحوال رفعة شيخه ** من الوجد والإجلال وقت الإنابة
أحاط بما أبدى من العلم والهدى ** بتعريفه ذا من جلائل نعمة
فمن مال صدقا نحو حضرته التي ** هي الملجأ الأقصى لكل سريرة
يحيط بأسرار وجل معارف ** يكون سراها روح روح قريرة
أيا ناظرا في ذا الجواب لفهمه ** تدبر بعلم لا تكن متفوت
وطبق معاني اللفظ من كل موطن ** لإدراجنا فيه فضائل جمة
فلا تك ممن واخذ الغير قبل أن ** يحقق ما أنشا بحسن الروية
تكون مسيئا عند من أوجد النهى ** وخصصها بالفهم في كل ساعة
على سيد الكونين منا صلاته ** نفوز بها يوم الجزاء بزلقة
|