جواب الشيخ تقي الدين بن تيمية الحنبلي (ت728هـ)
سؤالك يا هذا سؤال معاند ** يخاصم رب العرش باري البرية
وهذا سؤال خاصم الملأ العلي ** قديما به إبليس أصل البلية
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة ** هو الخوض في فعل الإله بعلة
فإن جميع الكون أوجب فعله ** مشيئة رب العرش باري الخليقة
وذات إله الخلق واجبة بما ** لها من صفات واجبات قديمة
فقولك لي قد شاء مثل سؤال من ** يقول فلم قد كان في الأزلية
وذاك سؤال يبطل العقل وجهه ** وتحريمه قد جاء في كل شرعة
وفي الكون تخصيص كثير يدل من ** له نوع عقل أنه بإرادة
وإصداره عن واحد بعد واحد ** إذ القول بالتجويز رمية حيرة
ولا ريب في تعليق كل مسبب ** بما قبله من علة موجبية
بل الشأن في الأسباب أسباب ما ترى ** وإصدارها عن حكم محض المشيئة
وقولك لم شاء الإله هو الذي ** أضل عقول الخلق في قعر حفرة
فإن المجوس القائلين بخالق ** لنفع ورب مبدع للمضرة
سؤالهم عن علة السر أوقعت ** أوائلهم في شبهة الثنوية
وإن ملاحيد الفلاسفة الألى ** يقولون بالعقل القديم لعلة
بغوا علة للكون بعد انعدامه ** فلم يجدوا ذاكم فضلوا بضلة
وإن مبادي الشر في كل أمة ** ذوي ملة ميمونة نبوية
تخوضهم في ذاكم صار شركهم ** وجاء دروس البينات لفترة
ويكفيك نقضا أن ما قد سألته ** من العذر مردود لدى كل فطرة
وهبك كففت اللوم عن كل كافر ** وكل غوي خارج عن محجة
فيلزمك الإعراض عن كل ظالم ** من الناس في نفس ومال وحرمة
ولا تغضبن يوما على سافك دما ** ولا سارق مالا لصاحب فاقة
ولا شاتم عرضا مصونا وإن علا ** ولا ناكح فرجا على وجه زنية
ولا قاطع للناس نهج سبيلهم ** ولا مفسد في الأرض من كل وجهة
ولا شاهد بالزور إفكا وفرية ** ولا قاذف للمحصنات بريبة
ولا مهلك للحرث والنسل عامدا ** ولا حاكم للعالمين برشوة
وكف لسان اللوم عن كل مفسد ** ولا تأخذن ذا جرمة بعقوبة
وسهل سبيل الكاذبين تعمدا ** على ربهم من كل جاء بفرية
وهل في عقول الناس أو في طباعهم ** قبول لقول النذل ما وجه حيلتي
كآكل سم أوجب الموت أكله ** وكل بتقدير لرب المشيئة
فكفرك يا هذا كسم أكلته ** وتعذيب نار بعد جرعة غصة
ألست ترى في هذه الدار من جنى ** يعاقب إما بالقضا أو بشرعة
ولا عذر للجاني بتقدير خالق ** كذلك في الأخرى بلا مثنوية
فإن كنت ترجو أن تجاب بما عسى ** ينجيك من نار الإله العظيمة
فدونك رب الخلق فاقصده ضارعا ** مريدا لأن يهديك نحو الحقيقة
وذلل قياد النفس للحق واسمعن ** ولا تعص من يدعو لأقوم رفعة
وما بان من حق فلا تتركنه ** ولا تعرضن عن فكرة مستقيمة
وأما رضانا بالقضاء فإنما ** أمرنا بأن نرضى بمثل المصيبة
كسقم وفقر ثم ذل وغربة ** وما كان من مؤذ بدون جريمة
وأما الأفاعيل التي كرهت لنا ** فلاهن مأتي في رضاها بطاعة
وقد قال قوم من أولى العلم لا رضا ** بفعل المعاصي والذنوب الكريهة
وقال فريق نرتضي بقضائه ** ولا نرتضي المقضي لأقبح خلة
وقال فريق نرتضي بإضافة ** إليه وما فينا فيلقى بسخطه
فنرضى من الوجه الذي هو خلقه ** ونسخطه من وجه اكتساب بحيلة
|