عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-11-2008, 02:09 PM   #11
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
إفتراضي

تعليل العبادات



يعتقد كثير من الناس أن التكاليف والأحكام الشرعية المندرجة في باب العبادات لا معنى لها ولا غرض منها سوى أداء حق الله

تعالى بالتعبد له سبحانه، ثم ابتغاء ثواب الدار الآخرة. وحتى القائلون من العلماء بتعليل الشريعة على وجه الإجمال، يذهب

كثير منهم إلى أن قسم العبادات منها غير قابل للتعليل، أو أن التعليل فيه استثناء.

وهذا تصور غير سديد، ويحتاج إلى المراجعة والتدقيق..

فأولا: ما تقدم من نصوص قرآنية وحديثية في تعليل بعثة الرسل وشرائعهم تعم وتشمل أحكام العادات والمعاملات والعبادات

على حد سواء، كما تعم وتشمل مصالح الدنيا والآخرة على حد سواء. والحق أنه ليس في الآخرة مصلحة إلا وهي امتداد

وثمرة لمصلحة ثم إنجازها وتحقيقها في هذه الدنيا، وكذلك المفسدة. فالقول بوجود مصالح أخروية أو مفاسد أخروية لم يكن

لها أصل وبداية وأثر في هذه الدنيا، هو مجرد قصور في فهم مقاصد الشريعة وإدراك مراميها.

وثانيا: لأن ً جميع التكاليف الشرعية ً التي سميت عبادات، قد جاءت في القرآن الكريم معللة ـ في أصولها وجملتها ـ تعليلات

مصلحية دنيوية وأخروية ، من غير تفريق ولا استثناء.

ـ الصلاة ـ



ونبدأ بالصلاة أم العبادات: قال الله تعالى ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر. والله يعلم ما

تصنعون ). سورة العنكبوت 45 .

فها هنا عللت فريضة الصلاة بمصلحتين جامعتين عظيمتين، وإحداهما أعظم من الأخرى. المصلحة الأولى هي كونها تنهى

عن الفحشاء والمنكر. ولا يخفى على أحد أن النهي عن الفحشاء والمنكر، والإبعاد عنهما، والتخفيف منهما، إنما هي مصالح

فردية وجماعية في هذه الحياة الدنيا، مصالح تعود على الناس بالنفع في أبدانهم وعقولهم وأموالهم وأحوالهم النفسية

والاجتماعية.. ثم هي بعد ذلك ونتيجة له سبب لنيل ثواب الله تعالى في الدار الآخرة.

وأما المصلحة الثانية التي عللت بها الصلاة في هذه الآية، فهي ذكر الله، الذي هو أكبر من مصلحة النهي عن الفحشاء

والمنكر. ولذلك جاء التعليل به وحده في آية أخرى، هي قوله تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) سورة طه 14 .

وقد يقال إن ذكر الله مصلحة تعبدية أخروية خالصة، وقد جعل هو المقصد الأعظم للصلاة. فأقول: إن ذكر الله عز وجل من

أعظم المصالح الدنيوية.

أو ليس أسمى ما يرغب الناس فيه في حياتهم ويبحثون عنه ليلهم ونهارهم هو السعادة؟ وهل السعادة سوى الشعور بالارتياح

والابتهاج والطمأنينة والمتعة؟

إذا كان الأمر كذلك ـ وهو لا شك كذلك ـ فإن أعلى درجات السعادة الدنيوية وأسمى مقاماتها، هي التي يتحصلها الذاكرون لله،

الخاشعون في كنفه، يملؤهم اليقين، ويغمرهم الرضى والطمأنينة ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن

القلوب ).

ثم إن هذه الحالة القلبية الروحية السامية يكون لها انعكاس شامل على صاحبها، في بدنه ونفسه وفكره وسلوكه...ومن

انعكاساتها أنها تفضي إلى النهي عن الفحشاء والمنكر، فتصير هذه المصلحة فرعا عن الأخرى وثمرة من ثمراتها.

فلذلك كله كانت مصلحة ذكر الله هي كبرى مصالح الصلاة، واعتبرت المقصد الأول لها.

يتبع


__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس