عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-10-2008, 03:10 PM   #10
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
إفتراضي

الشريعة بين التعبد والتعليل



يقول الله تعال ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس )

بعد ذكره للمقصد العام من بعثة الرسل جميعا ألا وهو القسط ، فيه تنبيه لا يخفى على أن مقاصد الخالق في خلقه أن يجلب لهم

المنافع الدنيوية، ومن أعظمها ـ على مر التاريخ ـ منافع الحديد. ومعلوم أنه باجتماع القسط مع منافع الحديد وقوته تقوم الدول

والحضارات وتزدهر أحوال الشعوب والمجتمعات.

ـ وفي خصوص بعثة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم جاءت نصوص عدة تنص على مقاصدها بشكل صريح، كما في قوله

عز وجل: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )

سورة الأنبياء 107 . فهذه الآية الكريمة كسابقتها، تضمنت تعليلا صريحا قاطعا للبعثة النبوية، وهو أنها إنما جاءت لرحمة

الناس.. والرحمة تشمل الدنيا والآخرة، ولا دليل على حصرها في رحمة الآخرة. بل الأدلة قائمة على أن رحمة الله تشمل

الدنيا والآخرة، كما يشير إليه قوله تعالى: ( ورحمتي وسعت كل شيء ) سورة الأعراف 156 . ومن صفات الرب

سبحانه ً الرحمن الرحيم ً ، وقد روي في معنى هاتين الصفتين ً الرحمن: رحمان الدنيا والآخرة، والرحيم: رحيم الآخرة ً من

كتاب المحرر الوجيز لابن عطية 56 .

وقال الخطابي: ً الرحمن: ذو الرحمة الشاملة، التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم ً عن صفوة التفاسير للصابوني 25



وأصرح من هذا كله قوله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته ) سورة الشورى 28 . فمن رحمة

الله الغيث وما ينتج عنه من مصالح دنيوية، وعلى هذا فالرحمة التي بعث بها خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم تشمل مصالح

العباد في دنياهم وآخرتهم.


ـ ومما جاء أيضا في تعليل الرسالة المحمدية قوله سبحانه ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم

ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) سورة الجمعة 2 . وتزكية الناس وتعليمهم، هي مصلحة

دنيوية قبل أن تجنى ثمراتها الأخروية. والتزكية والتعليم كلمتان جامعتان لكل ما يحتاجه الناس من فضائل وخيرات وكل ما

تتوقف عليه حياتهم من مصالح. وفي هذا المعنى جاء قوله صلى الله عليه وسلم معللا بعثته تعليلا جامعا: ً إنما بعثت لأتمم

حسن الأخلاق ً موطأ مالك ـكتاب حسن الخلق.

قال ابن عبد البر: ً يدخل فيه الصلاح والخير كله، والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل، فبذلك بعث ليتممه ً نقله محمد

فؤاد عبد الباقي. هامش الموطأ ص 904 .



وهكذا يظهر جليا أن الرسل جميعا بعثوا لأجل هداية الناس في دينهم ودنياهم، ولأجل إرشادهم ومساعدتهم لسلوك أقوم السبل

وأسماها في حفظ مصالحهم ودرء مفاسدهم، وليس هذا متنافيا مع مقصد التعبد الذي يعد من أسمى وأهم ما جاءت به الشريعة،

ذلك أن كل صلاح يتضمن نوعا من التعبد، وكل تعبد فيه أنواع من المصالح الدنيوية والأخروية، فليس هناك تضاد ولا

تعارض بين التعبد والتعليل.

يتبع


__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس