عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-08-2008, 07:57 PM   #20
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ألقى الرجل الأول (وهوشقيق سعد) أربعة احجار على وجه النبى ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى ، وألقى عبدالله حجرا واحدا فجرحه فى جبهته ، أما ابن قميئة فضربه حجرا واحدا فجرح وجنته ودخلت حلقتان من حلق المِغفر (درع ذو حلق شبيه بالخوذة) فى وجنته الشريفه .

سقط النبىّ على الأرض من جرّاء ضربه بالحجارة ، وأُسعف من قبل طلحة . فى هذه اللحظة ، قام المسلمون القلائل حول النبى بشن حملة معاكسة عنيفة وطردوا المشركين .
ألقى سعد قوسه واستل سيفه واندفع نحو أخيه لكن هذا الأخير كان اسرع هربا فاختبأ بين صفوف قريش . وقال سعد فيما بعد أنه لم يكن يوما راغبا فى قتل رجل كما كان بالنسبة لاخيه عتبه الذى جرح النبىّ .

كان هنالك فترة قصيرة توقف فيها القتال ، وقد مسح خلالها النبىّ الدم عن وجهه وهو يقول :" كيف يفلح قومٌ خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم" . حاول أبو عبيدة وهو يلمّ بالجراحة إلماما بسيطا أن يخرج الحلقتين التى دخلتا فى وجنة النبىّ ، فنزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله فسقطت ثنيته (أبو عبيدة) ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان ساقط الثنيتين .

أثناء توقف القتال القصيرة استعاد النبىّ قوته وشفى من صدمة الجراح ، بدأ القرشيون الآن هجومهم الأخير بعنف من جميع الإتجاهات ضد النبىّ . كان السياج الذى أقامه اصحاب النبىّ قادرا على صد الهجوم بشكل عملى فى جميع النقاط ، لكنه اخترق فى مكان واحد واندفع منه ابن قميئة باتجاه النبى .

كان هذا الرجل احد الذين قذفوا النبى بالحجارة فى الهجوم الأخير . وكان بقف بالقرب من النبى وإلى يمينه مصعب بن عمير وامراة تدعى "أم عمارة" ، وهذه المرأة تخلت عن حمل الماء إلى الجرحى واستلت سيفا من أحد القتلى واشتركت بشكل فعلى فى القتال الدائر وتمكنت من جرح أحد المشركين .

أخطأ ابن قميئة وظن مصعب هو النبى واندفع نحوه ، كان مصعب فى انتظاره فاستل سيفه وبدأ المبارزة . وبعد فترة قصيرة ضرب ابن قميئة مصعب بن عمير وقتله بضربة قاضية . وعندما سقط مصعب اندفعت أم عمارة نحو ابن قميئة وضربته على كتفه بسيفها . ونظرا لأنه يرتدى درعا من الزرد ونظرا لضعف ضربة المرأة فإنه لم يتأثر بضربتها . وبالمقابل ضرب ابن قميئة المرأة على كتفها بسيفه ، لكنها لم تقتلها وسببت لها جرحا بالغا وأسقطتها على الأرض ولم تستطع الحركة لبعض الوقت .

عندما سقطت أم عمارة ، رأى المشرك النبىّ واقفا لوحده فاندفع نحوه ، ورفع سيفه وسدد ضربة شديدة على رأسه فقطع السيف بعض حلقات المغفر لكنه لم يستطع إختراقه واستقر السيف على كتف النبى الأيمن . كانت الضربة عنيفة مما سببت سقوط النبىّ فى حفرة موجودة خلفه ومن هنا رفعه علىّ وطلحة .

عندما رأى ابن قميئة سقوط النبىّ عاد مسرعا إلى القرشيين صائحا بأعلى صوته :"قتلت محمدا" وسمعت صرخته فى أرجاء ميدان المعركة من قبل القرشيين والمسلمين على حد سواء وأثر هذا الخبر السىء على معنويات المسلمين فبدأ معظمهم بالهرب نحو جبل أحد . لكن عددا من المسلمين قرروا أنه لن يكون لحياتهم معنى إذا قُتل رسول الله ، فاندفعوا نحو خيالة قريش لكنهم صدوا من قبل عكرمة وخالد وهنا قتل خالد الرجل الثالث وهو رفاعة بن الوكش .

بينما كانت القوة الرئيسية للمسلمين تفر بإتجاه التلال ، كان معظم القرشيين مشغولين بنهب الموتى ، ولم يجد المسلمون الذين يدافعون عن النبىّ أحدا بالقرب منهم ، إن إغراء النهب هنا كان قويا لدى القرشيين كما كان بالنسبة للمسلمين من قبل . وعندما وجد النبىّ أن طريقه خالية من المشركين ، انسحب ومن معه من أصحابه غلى المضيق الكائن عند الوادى . وقد لاحقه عدد قليل من الشركين لكن اصحابه صدوهم وقتلوا منهم واحدا أو اثنين .

رأى خالد تحرك مجموعة النبىّ باتجاه المضيق الجبلى ، لكنه لم يحاول أن يعترضها لأنه كان مشغولا بمطاردة القوة الرئيسية لمشاة المسلمين وهكذا لم يجد النبىّ صعوبة فى الوصول إلى المضيق . وتسلقت المجموعة المنحدر الشديد للبروز الذى كان على شكل جرف عالى يبلغ ارتفاعه 400 قدما وهنا وقف النبىّ وأخذ ينظر غلى ميدان المعركة الممتد امامه .

من بين الثلاثين رجلا الذين قاتلوا مع النبىّ فى الأعمال القتالية السابقة ، بقى أربع عشرة رجلا فقط ومعظم هؤلاء قد اصيب بجراح . لقد سقط ستة عشر دفاعا عن النبىّ .

هكذا ترك المسلمون ميدان المعركة ، فبعضهم هرب بعيدا فى حالة ذعر وبعضهم عاد إلى المدينة . والبعض الآخر لم ينضم مرة ثانية إلى النبىّ إلا بعد مضىّ يومين . لكن أولئك الذين اعتزموا الإتجاه إلى التلال تحركوا بمجموعات صغيرة ، وشقوا طريقهم عبر خيّالة قريش ووصلوا إلى سفح جبل أحد . وهنا تفرقوا فبعضهم التجأ فى سفوح التلال وبعضهم تسلق حافة الجبل والبعض الآخر اختبأ فى الكهوف ولم يعرف أحد منهم ماذا ينبغى عليه أن يفعل بعد ذلك أما القرشيون فقد كانوا تحت سيطرة كاملة من قبل قيادتهم .

عند وصل النبىّ للمضيق كان لديه بعض الوقت للإعتناء بجراحه ، وهنا انضمت ابنته فاطمة إليه وقد أحضر علىّ الماء من مكان قريب وكانت فاطمة تبكى بهدوء وهى تمسح الدم من وجه أبيها وتضمد جراحه . استراح النبىّ فى هذا الملجأ حيث لا تستطيع قريش أن تهاجم بقوة نظرا لصعوبة السير فى المضيق .

كان البعض من المسلمين الذين التجأوا إلى جبل أحد يتنقلون بدون هدف ، وهم لا يعرفون إلى اين يذهبون وماذا يفعلون . وبينما كان أحد هؤلاء ويدعى كعب بن مالك يسير باتجاه المضيق رأى النبىّ وتأكد من شخصيته وكان ذو صوت قوىّ فتسلق صخرة كبيرة وواجه الإتجاه الذى يعرف أن معظم المسلمين يلتجئون فيه وصاح بأعلى صوته :
"يا معشر المسلمين ، أبشروا هذا رسول الله"
وأشار بيده نحو النبىّ . وكان من نتيجة هذا النداء الذى لم يكن مسموعا من قبل قريش ، أن تحركت مجموعات كثيرة من المسلمين فوق التلال وانضمت للنبىّ وكان عمر من بين هؤلاء وقد كان سروره لا يوصف عند رؤيته النبىّ مرة ثانية .

فى غضون ذلك ، كان أبو سفيان يبحث عن جثة النبىّ فسار فى ميدان المعركة وأخذ ينظر إلى وجه كل ميت عسى أن يجد بينها وجه خصمه . وأخذ يسأل من حوله فلما وصل إلى خالد أخبره أنه رأى محمدا محاطا بأصحابه وهو يسير باتجاه المضيق وأشار إلى الجرف الصخرى العالى ، فطلب ابو سفيان من خالد أن يأخذ خيالته ويهاجم الموقع .

نظر خالد إلى الوادى المملوء بالصخور الكبيرة والذى يؤدى إلى البروز ثم إلى المنحدر الشديد للبروز نفسه . وقد خامره الشك فى إمكانية المناورة فهو يعلم أن فرسانه فى مثل هذا الموقف سيكونون فى موقف حرج للغاية ولكنه كان يأمل أن تسنح له فرصة مواتية مثل الأولى فقد كان خالد متفائلا دائما فبدأ بتحريك سريته إلى البروز .

وعندما رأى النبىّ هذا التحرك دعا النبىّ ربه قائلا :" اللهم إنهم لا ينبغى لهم أن يعلونا" وعندئذ أخذ عمر مجموعة من المسلمين وتحرك بها مسافة قصيرة نحو المنحدر لمواجهة خيّالة قريش . وعندما وصل خالد مع سريته رأى عمرا وبعض المسلمين ينتظرونه على أرض مرتفعة فأيقن أن الموقف ميئوس منه ليس بسبب وجود المسلمين بأرض مرتفعة فحسب ، بل لأن أيضا فرسانه لن يتمكنوا من المناورة فى هذه الأرض الصعبة وانسحب خالد وكانت هذه آخر مناورة تكتيكية فى غزوة أحد .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس