محمود درويش
بقلم: الياس خوري
3 الرئيسية
3 المقدمة
3 سيرة حياته
3 مؤلفاته
3 مقالات وقصائد مختارة
3 قراءات
3 منتدى الحوار
3 اطلب نسختك
3 جديد محمود درويش
3 الواجهة الانكليزية
الشعر ماء اللغة، به تغتسل من ذاكرتها وتصنع ذاكرتها في آن معاً…
كأن الكلمات التي يكتبها الشعراء تأتي من مكان سري في أعماقنا , من تجربة تبحث عن لغتها , ومن كلمات تتجدد في ماء الشعر .
تجربة محمود درويش هي ابنة هذا الماء به غسلت لغتها وجددتها , أقامت من المأساة الفلسطينية جداريه شعرية كبرى تختزن في أعماقها هذا الغوص في ماء الشعر وماء الحياة .
نستطيع أن نقرأ التجربة الدرويشية في مستويات متعددة ننسبها إلى أرضها , ونكتشف ملحمة مقاومة الشعب الفلسطيني للاندثار والموت فتصبح القصائد شكلاً لتاريخ المأساة .
كان الكلمات وشم على جسد التاريخ والشعر شاهد يعجن الكلمات في التجربة أو نقرأها في حاضرها الأدبي بوصفها تلخيصاً مكثفاً لتجربة الشعر العربي الحديث .
مزجت الغنائية بالرمزية وتشكلت في الأصوات المتعددة , سردت بالشعر وشعرنت النثر حاملة هاجس الحداثة العربية بوصفها جزءاً من مشروع النهضة العربية الثانية .
و نقرأها في لغتها , حيث يأخذنا التبدل الذي طرأ على الشعر العربي إلى إعادة اكتشاف العلاقة الخفية بلغة الأجداد .
فنقرأ امتداداً لمثنّى امرئ القيس وقلق المتنبي داخل موسيقى جدلتها رؤيا جديدة بحيث صار الامتداد قطيعة لا تحيل إلى الماضي , بل تعطي الماضي معنى جديد داخل حاضر متغيّر . أو نقرأها في عالمها , بوصفها جزءاً من صوت شعري متعدد اللغات , صبغ القرن العشرين بصرخة الحرية .
أو نقرأها بوصفها تجربة ذاتية كانت الذات فيها مرآة العالم , وكانت القصيدة مرآة الذات , بحيث استطاع الشاعر في صوته المنفرد , إن يفارق الصوت العام لحظة اندغامه به .
لذلك فهو عصّي على التحديد , وقادر على أن يصنع في المسافة بين المرآتين تلاوين لا حصر لها .
تتعدد القراءات لشعر محمود درويش فهو في مراحله المختلفة وطبقاته .
المتعددة يحتمل اكثر من تأويل .
لكنني افضل قراءة التجربة الدرويشية بوصفها تجربة اغتسال الكلمات بماء الشعر , أي تجربة اكتشاف دائم للكلمات التي تأتي موقعة بالتجربة .
معمودية الشعر, مثلما تتجلى في التجربة الدرويشية , لا لا يمكن فصلها عن فلسطين .
فالارتطام الأكبر بالغرب , لم يأت في لم يأتي في الزمن الكولونيا لي, بحسب افتراض أدبيات النهضة والحداثة .
الارتطام حصل على ارض فلسطين ومن خلال المشروع الصهيوني الذي أقام دولة إسرائيل بالقوة , ومحا الاسم الفلسطيني , ولو إلى حين .
وكان الارتطام مأسوياً على جميع المستويات .
فالمرآة التي صنعتها إسرائيل لم تكن تتسع للضحايا .
على الضحية أن تمحي أمام الضحية اليهودية التي صارت جلاداً مستندة في ذلك إلى دعم العالم الأوروبي الذي جعل من اليهود ضحاياه بامتياز .
في ارض الضحية اكتشف الفلاح الذي فقد أرضه , إن الأرض الوحيدة التي يستطيع حراثتها هي اللغة .
صارت اللغة أرضه المؤقتة ,في انتظار أن تعود الأرض إلى لغتها .
وحين بدأ محمود درويش يحرث لغته – لغتنا , وسط هذا العطش العربي , لم يجد أمامه سوى أن يغسل اللغة بالشعر , ويسقي الأرض بمائه , وتكتب نفسها في مكان سري يقع بين الأغنية والملحمة ...
من: كتاب في جريدة رقم 39
3 كانون الثاني 2001
|