وعن لقاء القمة يقول إيدي "لم ينشر شيء عن الحديث السياسي لأن أحداً ممن حضروه لم يخرج عن صمته، وها أنا الآن أفعل. فقد رفض الملك بشدة عرض نسخته من مذكرة الحديث ولم يستغل حقه في ذلك واعتبر أن تلك المناسبة لم تكن إلا شكلاً من أشكال الصداقة الشخصية. فمن وجهة النظر العربية البسيطة أن مثل هذه الصداقات تعتمد كلية على الإدارة الحسنة والإيمان الخالص وعندما ماتت تلك الإدارة الحسنة وذلك الإيمان الخالص بموت روزفلت لم يستطع من خلفه إحياءها ولم تستطيع ورقة تنشر أن تبعثها. وكان ملاحظاً أن ابن سعود لم يلمح في أي وقت إلى طلب مساعدات اقتصادية أو مالية للسعودية. فقد سافر إلى اللقاء ناشداً صداقة لا اعتماداً مالياً، وفى ضوء هذه الحقيقة لم يكن في هذا الوقت سبب يجعله يتوقع تدفق البترول العربي ليضاعف دخله القومي، على العكس فقد كان يحكم في عام 1945 الأراضي الريفية التي لا تنتج ما يكفي لإطعام سكانها والأراضي التي عزلتها الحرب عن الوفاء بضرورات الحياة.
ومما قاله روزفلت في القمة بعد مناقشة تطورات الحرب واستعراض ثقته بأن الألمان منهزمون لا محالة. وأعرب روزفلت عن مشكلته الخطيرة التي يأمل أن يجد لها مساعدة ونصيحة عند الملك وهى إنقاذ البقية الباقية من اليهود في وسط أوروبا الذين يذوقون رعباً لا يوصف على يد النازيين من طرد وتعذيب وهدم لمنازلهم وقتلهم عمداً، ومن ثم ورد اعتبارهم. فقد شعر مستر روزفلت بمسئوليته الشخصية وبالفعل حمل على عاتقه حل تلكم المشكلة، فما كان اقتراح الملك؟
كان رد الملك عاجلاً ومقتضباً: أعطهم وأحفادهم أراضي الألمان ومنازلهم فهم الذين اضطهدوهم. فأجابه الرئيس روزفلت بأن للناجين من اليهود رغبة عاطفية في سكنى فلسطين وأنهم في الحقيقة يخشون الإقامة في ألمانيا حيث قد ينالهم العذاب ثانية.
فقال الملك "إنه لا يشك أن لدى اليهود أسباباً قوية تمنعهم من الثقة بالألمان إلا أنه لا يشك أيضاً في أن الحلفاء سيدمرون قوة النازيين للأبد وسيكون نصرهم عزيزاً بحيث يوفر الحماية لضحايا النازية. وإن لم يقدر الحلفاء على السيطرة على مستقبل ألمانيا السياسي فلماذا يخوضون هذه الحرب الفادحة الثمن؟"
وقال الملك "إنني لا أستطيع أن أترك عدواً لي في وضع يسمح له برد الضربة بعد الهزيمة."
وعاد روزفلت يقول "إنه يعتمد على الكرم العربي وعلى مساعدة الملك في حل المشكلة الصهيونية."
فأجابه الملك قائلاً "دع العدو الظالم يدفع الثمن، فعلى هذا الأساس نخوض الحرب نحن العرب، فالمجرم هو الذي يجب أن يؤدي الغرامة وليس المتفرج البريء."
وتساءل الملك قائلاً "أي شر ألحقه العرب بيهود أوروبا؟ إنهم المسيحيون الألمان سرقوا أموالهم وأرواحهم، إذن فليدفع الألمان الثمن."
وعاد مستر روزفلت يطرق الموضوع شاكياً أن الملك لم يمد له يد العون لحل هذه المشكلة. ولكن يبدو أن صبر الملك نفد فقال بشيء من الحدة إنه كبدوي غير متعلم لا يفهم مقصد الرئيس من عدم إلزام الألمان بالتعويض لليهود. وقال "إن من تقاليد العرب توزيع الضحايا الناجين من المعركة على العشائر المنتصرة وفقاً لعدد كل عشيرة ومقدار ما أسهمت به من ماء وطعام للمحاربين."، وقال "إن في معسكر الحلفاء خمسين (50) بلداً أفقرها وأصغرها فلسطين التي عُهِد إليها بأكثر مما تطيق من اللاجئين الأوربيين."
وأكد روزفلت أنه بوصفه رئيساً لن يفعل شيئاً من شأنه أن يكون عدائياً للعرب وأن حكومته لن تغير من سياستها تجاه فلسطين دون مشاورات مسبقة وكاملة مع كل من العرب واليهود. واعتبر الملك هذه التأكيدات الشفوية بمنزلة حلف مكتوب بينه وبين روزفلت ولم يخطر بباله أن الموت سيخطفه قبل أن يبر بوعده.
وتحت عنوان "مستر ترومان" يقول إيدي "حدث لهذا المؤتمر التاريخي سقطة مفاجئة في البيت الأبيض: ففي مطلع أكتوبر عام 1945 جدد وزير الخارجية الأميركي النداء لأربعة من رؤساء البعثات الدبلوماسية الأميركية ليثبتوا لمستر ترومان تدهور المصالح الأمريكية في الشرق الأدنى، وهؤلاء الأربعة هم: الوزراء المفوضون في القاهرة ولبنان وسورية والسعودية، ثم القنصل العام المنتدب في فلسطين. وكانوا قد وصلوا جميعاً إلى البيت الأبيض منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول، بيد أنهم كانوا بواشنطن دون عمل يؤدونه أو مهام منوطة بهم وذلك لأن المراقبين في البيت الأبيض أقنعوا الرئيس بأنه من الحماقة مقابلة وزرائه في البلاد العربية قبل انتخابات الكونجرس في نوفمبر/تشرين الثاني.
وبعد الانتخابات سمح لهم مدير مكتب الشرق الأدنى بوزارة الخارجية بالحضور لعقد مؤتمر خاص مع مستر ترومان. وقدم المتحدث باسم المجموعة جورج وادسورث شفاهة بياناً متفقاً عليه في حوالي 20 دقيقة، وكانت هناك مناقشات قصيرة، وسأل الرئيس بعض الأسئلة في اللقاء الذي أحيطت محاضره الرسمية بالسرية التامة في وزارة الخارجية!
وأخيراً لخص مستر ترومان موقفه في صراحة تامة قائلاً "عذراً أيها السادة فإنني مضطر للرد على مئات الألوف من المتلهفين على نجاح الصهيونية في الوقت الذي لا يوجد فيه مئات الألوف من العرب في دائرتي الانتخابية."
القمة الأمريكية السعودية الأولى
القمة السرية بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس روزفلت (1945)
ترجمة: حسن الجزار
إعداد وتقديم ودراسة: ممدوح الشيخ
الناشر: مكتبة بيروت (سلطنة عمان) – دلتا للنشر (مصر)
الحجم: 220 صفحة من القطع الكبير
سنة النشر: 2008
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
|