عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-07-2008, 11:35 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

9ـ ضعف إمكانات العاملين بالزراعة، وانعكاسه على تطوير وسائل ومستلزمات الإنتاج التي تزيد من الإنتاجية.

يتوزع العاملون في الزراعة في العالم على صنفين رئيسيين، صنف يرتبط بالعجلة الرأسمالية العالمية، يوظف أموالا هائلة ترتبط بسياسات عالمية، ولا ينحصر نشاط هؤلاء في بلدانهم، بل يتنقلون في مختلف أنحاء العالم، وبالذات البلدان التي تحتاج الى إدخال الأموال (كحالة الذرة في أوكرانيا والبلدان الاشتراكية السابقة). وصنف معدم بالكاد يحافظ على حياة العاملين به وحياة أسرهم.

في بلداننا، كما في بلدان العالم الثالث، لا يجتذب القطاع الزراعي أصحاب رأس المال المحليين للأسباب التالية:

1ـ عدم وضوح الجدوى الاقتصادية من الاستثمار بذلك القطاع.

2ـ ارتباط العمل الزراعي، اجتماعيا، بدنو مكانة العاملين فيه وفق السُلَمْ الاجتماعي.

3ـ هروب شرائح المجتمع المحسوبة على القطاع الزراعي، من ملاكي الأراضي، الى الفلاحين، من العمل الزراعي الى أعمال أخرى. فالكثير من ملاك الأراضي باعوا أراضيهم، خصوصا مع توسع رقعة المدن وارتفاع أسعار الأراضي، وانصرفوا الى تعليم أبناءهم في الجامعات، وأسسوا لأنفسهم متاجر كبرى أو اشتغلوا في قطاعات بعيدة عن الزراعة.

4ـ تحول الأطباء البيطريين والمهندسين الزراعيين الى وكلاء لبيع مواد مستوردة، لصغار المزارعين، وابتعادهم عن فكرة الإنتاج الفعلي، وتركيز همهم في جني الأرباح من المتاجرة بالبذور والأسمدة واللقاحات والعلاجات البيطرية.

5ـ تسهم الحكومات في امتصاص ما يتبقى من كوادر فنية وتحويلها الى موظفين قليلي الفائدة العملية.

6ـ ابتعاد المؤسسات المصرفية والبنوك من إقراض المزارعين، لعدم ثقتهم بنجاح تلك المشاريع.

7ـ معظم الأموال التي تأتي كمساعدات من دول متقدمة أو من مؤسسات مالية تحت إشراف أجهزة دولية كمنظمة الزراعة والغذاء (FAO ) تذهب لصالح أشخاص لا علاقة لهم بالزراعة، وأما القليل منها فيتم إقراضها للمزارعين دون جدية تُذكر، لا من الجهات المقرضة ولا من الجهات المقترضة.

8ـ يمكن إضافة عامل مستجد آخر، وهو انتقال الأموال السريع بين الدول العربية فيما بينها (خصوصا بعد أحداث 11/9/2001)، وتدفق بعض الرساميل العالمية للمنطقة، واستثمارها في قطاعات السياحة والصناعات التحويلية وما رافق ذلك من اهتمامات محلية (عربية) للتعايش مع تلك الظاهرة، وأن نصيب المشاريع الزراعية من هذه الأنشطة يكاد يكون معدوما.

9ـ انعدام تقليد التأمين على المشاريع الزراعية، يجعل من العمل بها أقرب ما يكون للمغامرة غير مضمونة العواقب.

المشاريع الزراعية الكبرى

على ضوء ما تقدم، فإن المشاريع الزراعية المتوسطة قد اختفت أو بطريقها الى الاختفاء. وقد ظهر بدلا منها مشاريع كُبرى لم يُعرف مصدر تمويلها وجنسيات المؤسسين لها، ويمكن أن نوصف تلك المشاريع بما يلي:

1ـ تفوقها على المشاريع المتوسطة والصغرى في الإمكانات والأجهزة مما قلل من كلفة الوحدة المُنْتَجَة عند تلك المشاريع عنها في مشاريع الأفراد والمؤسسات الصغرى، مما جعل التنافس بالأسواق لصالح أصحاب المشاريع الكبرى، وتردد أصحاب المشاريع الصغرى في الاستمرار.

2ـ ابتعاد أهداف أصحاب تلك المشاريع عن (المصلحة الوطنية المركزية) وعدم خضوعهم للتخطيط المركزي للدول التي يتواجدون فيها. فقد تتجه تلك المشاريع لإنتاج (التفاح) أو (الفراولة) في حين تطلب عامة الناس إشباعهم من الخبز والعدس.

3ـ تتعامل تلك المشاريع مع السوق المحلي بما ينفعها هي، فقد تفرغ السوق من السلع المنتجة وتقوم بتصديرها، حتى تتأكد من خلو السوق من تلك السلع فتبيع بأسعار تثقل كاهل الجمهور. ومن هنا فإنه لا يمكن الاعتماد على مثل تلك المشاريع (ضمن سياسة السوق وتشجيع الاستثمار) في ديمومة توفر الأصناف والتخطيط على ضوء ذلك.

4ـ تطور تلك المشاريع إمكاناتها العلمية والفنية باطراد، في حين تتضاءل إمكانات صغار المشاريع حتى تختفي نهائيا. فمثلا تكون كلفة تدفئة الكتكوت في فصل الشتاء عند صغار المزارعين ما يقارب ربع دولار، في حين أن كلفته عند أصحاب المشاريع الكبرى لا تتعدى ثلثها عند صغار المزارعين.

خلاصة:

إن هذا الوضع والذي يرتبط بالخصخصة وسياسة السوق المفتوح والخضوع لاتفاقات دولية (الجات) سيخرج ملايين العاملين في الزراعة من قطاعهم الذي ارتبطوا به اجتماعيا واقتصاديا، وهم بالتالي سيضافون الى جيوش العاطلين عن العمل، والراغبين في الهجرة من ريفهم الى المدن أو الى خارج بلادهم، وكل ذلك مصدرا جديدا لمنظومة خلل اجتماعية واقتصادية جديدة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس