عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-06-2008, 07:00 AM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

7ـ انخفاض مهارات العاملين في الزراعة.

مما يميز تواصل تقدم اليابانيين هو اعتمادهم لأسلوب (النمطية) في العمل، حيث إذا عمل أحدهم في شركة (تويوتا) مثلا، في شد (براغي الدولاب) فلن ينتقل من هذا العمل حتى تقاعده أو مماته، لأنه بذلك سيكتسب مهارات تراكمية في شد تلك البراغي، قد تكون محصلتها ثانية أو جزء من الثانية، لكنها بجمعها مع الزمن ولكل العاملين سيكون لها شأن. وتتعاهد الشركات الإنتاجية الكبرى في اليابان على عدم استخدام العاملين التاركين لعملهم لضمان استمرار النمطية.

ما هي المهارات الزراعية؟

لو حاول أي مبتدئ ليس له علاقة بالعمل الزراعي وأمسك بمقص لتقليم الأشجار، وهَمَ بقص غصن من شجرة، فإن الجهد الذي سيبذله يعادل خمسة أضعاف الجهد الذي يبذله عامل محترف، وأن هذا المبتدئ سيكره العمل وسيصيب يده الأذى، وقد يجرح نفسه من حيث لا يدري.

يتم اكتساب المهارات الزراعية، من تكرار عملية عدة مرات، ومحاولة تجنب الخسارة التي وقع بها صاحبها، أو الجهد الذي بذله بطريقة مبالغ فيها، أو توقيت العملية الزراعية، ويفيد في اكتساب المهارة تناقل المعلومات الخاصة بين العاملين، أو انتقاد القائمين على رأس العمل من مهندسين أو أصحاب عمل، أو زوار وتنبيههم من قام بالعمل الخاطئ، فيكون أداؤه بالمرة القادمة أكثر جودة وأقل أخطاء.

فمثلا، لو قام أحدهم بتقليم أشجار العنب في الثلث الأخير من شهر فبراير/ شباط فإن نزف الشجرة لسائلها سيحدث، وستقل فرص عقد الثمار ويتفاوت حجمها. وقد يأتي التنبيه من مهندس له دراية بذلك، أو صاحب البستان الذي يقف على عمله بشكل دءوب، أو من رجل مسن يضرب مثلا (في سعد السعود تدب الماوية في العود) فينتبه من وقع بالخطأ ولا يعود يكرره.

وقد يفتح أحد العاملين بحقل الدجاج اللاحم، نوافذ قاعة التربية عندما يكون الجو حارا، ولا ينتبه لإغلاقها إذا (هب الهواء) وعندها ستصاب طيوره بأمراض تنفسية قد تفني ثلث القطيع ويذهب ربحه كاملا، أو يتحمل خسارة قد تخرجه من مجال العمل نهائيا.

وهناك أخطاء لها صفة (إستراتيجية) تتعلق بتصميم المباني، أو طرق تربية الأشجار، فقد يربي أحدهم أشجاره على الطريقة الكأسية (القلب المفتوح للشجرة) في مناطق تتساقط بها الثلوج فتتجمع الثلوج في وسطها وتكسر فروعها، فتقضي على البستان، فيأتي أحدهم ويقول له: كان عليك أن تربيها على طريقة (الساق الرئيسي المحور).

وحتى لا نطيل في هذا المجال التخصصي الذي لا يعني شيئا للمطلعين من غير المختصين، وحتى نبقي على رسالتنا في إيصال الفكرة العامة من بحثنا العام للطالبين لهذا النوع من المواد الثقافية الهامة، سنعود الى محور الحديث عن فكرة المهارات.

من هم المعنيون بالمهارات؟

أولا: أصحاب المشاريع:

قد يُقبل أحد الموسرين أو من يريدون استثمار أموالهم في المجال الزراعي، على القيام بتأسيس مشروع زراعي ما، بساتين، مزارع أبقار حلوب، مزارع دواجن، استصلاح أراضي، مسالخ دجاج الخ. ولكن ليس لديه من مقومات المشروع سوى (المال والأرض) أو حتى المستلزمات كاملة. سيقوم باختيار مدير أو مدراء فنيين لمشروعه، ولكنه لا يستطيع معرفة إمكانيات هؤلاء لأنه بكل بساطة لا يستطيع تقييم أيهم أكثر كفاءة من الآخر، وسيختار هؤلاء عمالهم وفنييهم بما يمليه عليهم واجبهم (فقط). وإن خسر المشروع أو ربح المشروع ولكن ربحه قليل أو حتى كثير، فإن صاحب المشروع لن يدخل الى نفسه الرضا ولن يقوم بحماسة توسيع مشروعه، إلا إذا وصل لقناعة أن مشروعه ناجح. وكيف له أن يعرف ذلك إذا لم تكن له مهارات في التقييم؟

إن هذه المعضلة، قد تكون أحد الأسباب التي تكمن وراء عدم إقبال أصحاب الأموال باستثمار أموالهم في المشاريع الزراعية. فأصحاب الأموال قد يقبلون على شراء الأراضي وإنشاء البنايات العقارية، أو استثمار أموالهم في الأسهم، ولكنهم يترددون في استثمارها في المجال الزراعي، لعدم قدرتهم على تصور ما سيئول إليه المشروع.

إن هذه المسألة قد حلت في الكثير من الدول. في بلغاريا مثلا، ينشر كتابا سنويا يبين فيه (كم يحتاج الهكتار من ماء وسماد وعمال وكل شيء، حسب ما مزروع في تلك المساحة وعمر المحصول) فإن جاء مدير وقال لقد دفعنا رواتب 50 عاملا بمبلغ كذا، فلا يستطيع صاحب المشروع في بلادنا معرفة أن الأمر كان يحتاج 50 عاملا أو 20 عامل، ولكنه بالرجوع الى الكتاب (على الطريقة البلغارية) فإنه سيعلم أن كلام كاتب التقرير أو الناقل له بالمشافهة صحيح.

ثانيا: الفنيون (مهندسون .. أطباء بياطرة .. مراقبون الخ)

لا زلت أذكر، أنه عندما تعينت في محطة أبحاث البساتين في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1974، وخرجت بعدها لأشرف على عمال التقليم في بستان، فقلت للعامل ليس هكذا يقلم الخوخ (الدراق) فقال لي : العفو أستاذ هذا ليس خوخ!. لقد كانت تلك الهزة من أكبر ما تعرضت له، فكيف لي سأوجه عاملا يتفوق علي بشيء؟

دأبت الإدارات العربية، سواء في الكليات الزراعية أو دوائر وزارات الزراعة على تدريب الفنيين، من طلبة على وجه (تخرج) الى مستخدمين جدد الى عمال فنيين. ومن خلال مشاهداتنا للنمط الذي يتم فيه التدريب سواء حكوميا أو أهليا أو من خلال الوفود خارج البلدان العربية نستطيع تثبيت تلك الملاحظات:

1ـ لا أدري لماذا يحب المتدرب اختصار وقت التدريب، فإن كان الدوام 8 ساعات رغب أن يكون نصف ساعة، وإن قام أحد المتدربين بسؤال مدربه عن شيء، أشار إليه بقية المتدربين بأن يختصر ويكف عن السؤال، هذه الملاحظة شاهدتها لدى طلاب إحدى كليات الزراعة في العراق، والأردن (حيث يتدرب لدى مؤسستنا منذ 10 سنوات طلاب خريجين).

2ـ لم يقتصر الأمر على سلوك المتدربين في بلادنا، بل كنت ألاحظها في هولندا وإيطاليا، عندما تستضيف الشركات الأوروبية بعض العاملين في المجال الزراعي.

3ـ لكن، ليس الأمر يتوقف على المتدربين، بل امتد للمدربين أنفسهم، فلم يعودوا يهتموا بالوقت ولا نوعية المهارات التي سينقلونها للمتدربين.

4ـ لم تطور الجهات المعنية بالتدريب في بلادنا أساليبها للاستفادة من التدريب، ولم تجعله شرطا يتصل بما بعده.

5ـ يتم تعيين الخريجين الجدد بأماكن نائية، وقليلة الاحتكاك بآخرين، وما أن تمضي سنوات حتى يتم نقل هؤلاء ليكونوا في مناطق عمل تحتاج الى فنيين لديهم مهارات.. لكن من أين اكتسبوا تلك المهارات؟

ثالثا: العمال والفلاحون

سبق وذكرنا مسألة الرواتب المتدنية للعاملين في القطاع الزراعي واستنكاف العمال من العمل في هذا القطاع لأسباب مختلفة، وجعل عملهم في هذا القطاع محطة مؤقتة ريثما يتم إيجاد محطة عمل أكثر جودة. فعليه لا أحد يهتم بتدريب العمال، لا العمال ولا حتى القائمين على العمل الذين استسلموا لفكرة احتمالية ترك العامل الزراعي لعمله بأي لحظة.

خلاصة:

من كل ما تقدم، تبين لنا أهمية حلقة المهارات في سلسلة العملية الزراعية، في مختلف المجالات، (القطاع الحيواني أو النباتي).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس