الموضوع
:
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز
عرض مشاركة مفردة
13-06-2008, 05:44 AM
#
2
جمال الشرباتي
كاتب إسلامي مميز
تاريخ التّسجيل: May 2007
المشاركات: 639
تابع
---------------------------------------------------------------
ثمّ قال"
-----وقوله:
( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )
يقول تعالى ذكره: فسنهيئه في الدنيا للخلة العُسرى، وهو من قولهم: قد يسرت غنم فلان: إذا ولدت وتهيأت للولادة، وكما قال الشاعر:
هُمَــا سَــيِّدَنا يَزْعُمــانِ وإنَّمَــا
يَسُــودَانِنا أنْ يَسَّــرَتْ غَنَماهُمَــا
وقيل: (
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى
) ولا تيسر في العُسرى للذي تقدّم في أول الكلام من قوله: ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) واذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والآخر ذكر الشرّ، جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعا؛ والعُسرى التي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه ييسره لها: العمل بما يكرهه ولا يرضاه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر الخبر بذلك:
# عن عليّ، قال: كُنَّا جلوسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنكَت الأرض، ثم رفع رأسه فقال: "
ما مِنكُمْ مِن أحَدٍ إلا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنِّةِ وَمَقَعَدُهُ مِنَ النَّارِ
". قلنا: يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال:
" لا اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسَّر "
، ثم قرأ: (
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
# عن عليّ، قال: كنا في جنازة في البقيع، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: "
ما مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلا قَدْ كُتبَ مَدْخَلُها "
، فقال القوم: يا رسول الله ألا نتكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة فإنَّهُ يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء، فقال: "
بَلِ اعْمَلُوا فَكُلٌ مُيَسَّر؛ فأمَّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ السَّعادَةِ فإنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلَ السَعادَةِ وأمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الشَّقاءِ فإنَّهُ يُيَسَّرُ للشَّقاءِ"، ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) .
# عن عليّ رضى الله عنه قال: كنا جلوسا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتناول شيئا من الأرض بيده، فقال :
" ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلا وَقَدْ عَلِمَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ والنَّارِ
" قالوا: يا نبيّ الله، أفلا نتكل ؟ قال: "
لا اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ
"، ثم قرأ: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى )... الآيتين.
# قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ما مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلا قَدْ كُتبَ اللهُ عَلَيْها ما هِيَ لاقِيَتُهُ" وأعرابي عند النبيّ صلى الله عليه وسلم مرتاد، فقال الأعرابيّ: فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا، إن كان قد فرغ من الأمر.
فنكت النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأرض، حتى ظنّ القوم أنه ود أنه لم يكن تكلم بشيء منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "
كُلّ مُيَسرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الخَيرِ، وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرًّا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الشَّرِّ"
،
#: لما نـزلت هذه الآية:
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
قال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل ؟ أفي شيء نستأنفه، أو في شيء قد فُرغ منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَسَنُيَسِّّرُهُ لِلْعُسْرَى
".
#عن جابر بن عبد الله أنه قال: يا رسول الله، أنعمل لأمر قد فُرغ منه، أو لأمر نأتنفه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "
كُلّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَملِهِ".
# سأل غلامان شابان النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالا يا رسول الله،
أنعمل فيما جفَّت به الأقلام،
وجرَت به المقادير، أو في شيء يستأنف ؟ فقال: " بَلْ فِيما جَفَّتْ بِهِ الأقْلامُ وَجَرَتْ به المقادِيُر " قالا ففيم العمل إذن ؟ قال: "
اعمَلُوا، فَكُلُّ عامِلٍ مُيَسَّرٌ لَعَمَلِهِ الَّذِي خلِقَ لَهُ
"، قالا فالآن نجدّ ونعمل.
--------------------------------------
ثمّ قال"
القول في تأويل قوله تعالى :
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى
(11)
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى
(12)
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى
(13)
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى
(14)
.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: ( وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ ) : أي شيء يدفع عن هذا الذي بخل بماله، واستغنى عن ربه، ماله يوم القيامة ( إِذًا ) هو ( تَرَدَّى ) .
-----------------------------------------------
ثمّ قال"
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:
( إِذَا تَرَدَّى )
فقال بعضهم: تأويله: إذا تردّى في جهنم: أي سقط فيها فَهَوى.
----------------------------------------
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا مات.
* ثمّ ذكر من قال ذلك:
--------------------------------
ثمّ رجّح قولا فقال "
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إذا تردّى في جهنم، لأن ذلك هو المعروف من التردّي، فأما إذا أُريد معنى الموت، فإنه يقال: رَدِيَ فلان، وقلما يقال: تردّى.
-----------------------------------------------
ثمّ قال"
وقوله:
( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى
) يقول تعالى ذكره: إن علينا لبيانَ الحقّ من الباطل، والطاعة من المعصية.
---------------------------------------------------------
وكان بعض أهل العربية يتأوّله بمعنى: أنه من سلك الهدى فعلى الله سبيله، ويقول وهو مثل قوله:
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ
ويقول: معنى ذلك: من أراد الله فهو على السبيل القاصد، وقال: يقال معناه: إن علينا للهدى والإضلال، كما قال:
سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ
وهي تقي الحرّ والبرد.
----------------------------------
وقوله: (
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى
) يقول: وإن لنا ملك ما في الدنيا والآخرة، نعطي منهما من أردنا من خلقنا، ونحرمه من شئنا.
وإنما عَنَى بذلك جلّ ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحبّ من خلقه، فيكرمه بها في الدنيا، ويهيئ له الكرامة والثواب في الآخرة، ويخذُل من يشاء خذلانه من خلقه عن طاعته، فيهينه بمعصيته في الدنيا، ويخزيه بعقوبته عليها في الآخرة.
----------------------------------------
ثم قال جل ثناؤه: (
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى )
يقول تعالى ذكره: فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهَّج، وهي نار جهنم، يقول: احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا، وتكفروا به، فَتصْلَونها في الآخرة. وقيل: تلظَّى، وإنما هي تتلظَّى، وهي في موضع رفع، لأنه فعل مستقبل، ولو كان فعلا ماضيا لقيل: فأنذرتكم نارًا تلظَّت.
---------------------------------------------------
يتبع
__________________
مؤسس ملتقى أهل التأويل
http://www.attaweel.com/vb/
جمال الشرباتي
عرض الملف الشخصي الخاص بالعضو
إيجاد المزيد من المشاركات لـ جمال الشرباتي