عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-05-2008, 04:33 PM   #8
صتيمه
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 561
إفتراضي

ثالثاً: أن مصر كانت تابعة رسمياً للدولة العثمانية، بل أن واليها - الألباني الأصل - محمد علي باشا لم يأت إليها إلا عن طريق الجيش العثماني، وكانت ولايته على مصر بمباركة العثمانيين، وكانت تبعيته لهم رسمية، ومع ذلك خرج عليها وحاربها وكاد أن يهدمها، لولا أن الخليفة اضطر للاستصراخ بأعدائه في الأمس كي يقفوا بوجه (عامله) الذي خرج عليه. أي أن زعم المفتي في (شجب) خروج السعوديين على العثمانيين ينطبق عليه المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت!.
رابعاً: محمد علي باشا كانت له اتصالات واسعة مع الإنجليز والفرنسيين والروس، ومن ذلك مثلاً ما قاله المؤرخ الوطني المصري الشهير عبدالرحمن الرافعي عن أن ابراهيم بن محمد علي باشا في حملته على معقل الوهابية في الدرعية: (استعان بخبرة الأوروبيين في الحروب فاصطحب معه في الحرب الوهابية طائفة من الإفرنج منهم الضابط الفرنسي فيسيير أحد ضباط أركان الحرب، وهذا أمر لم يكن مألوفاً ولا سائغا بين قواد الشرق في ذلك العهد)!. والمسألة التي تستحق البحث - حقيقة - هي عن أثر هذه الاتصالات في خروجه على العثمانيين، وهل كانت المسألة برمتها فخاً سار فيه الباشا؟ أم أنها كانت خطة للضغط على العثمانيين؟ أم أن المسألة كما تبدو على ظاهرها مجرد محاولة للخروج على الدولة؟
وبمناسبة كون المفتي مهتما بدراسة العلاقات مع الإنجليز والفرنسيين في تلك الفترة، فليته يبحث لنا ويحدثنا عن احتلال هاتين الدولتين لمصر، وكيف كان الناس يتعاملون مع هذا الاحتلال، ومن كان من العلماء الأزهريين (الأبطال) في مواجهتهم، خصوصاً في وقت ثورة القاهرة على الفرنسيين. وفي المقابل، ليته يحدثنا أيضاً عن (خيانات) ضعفاء النفوس في تلك الفترات القاحلة، ويستخلص لنا من هذه القصص الدروس والعبر، وليبدأ لنا بذكر قصة الشيخ البكري وابنته على سبيل المثال لا الحصر، في هذه القصص فائدة للأمة، خصوصاً أن الشيخ - حفظه الله - مهتم بقضاياها، فهو يعيب - مثلاً - في شريطه المذكور على علماء الوهابية بأنهم لا يدعون لإخوانهم في العراق وفلسطين، ورغم أن هذا الزعم غير صحيح، يعرف عدم صحته كل مصل بالمساجد السعودية، إلا أنه على كل حال يدل على غيرة وحرص على الإسلام والمسلمين.
وبمناسبة هذه الغيرة وما رافقها من حمية للأزهر، فليت شيخنا الفاضل يحدثنا - ايضاً - عن قصة استقبال شيخ الأزهر للسفير الإسرائيلي وحاخام إسرائيل الأكبر وما رأيه في هذه الزيارة؟
وليحدثنا فضيلته عن أساتذة الأزهر الذين سافروا إلى إسرائيل!!، وتعاونوا مع جامعاتها، مثل: د. نبيل ذكر الله الأستاذ بكلية طب الأزهر، ود. رضا محرم الأستاذ بهندسة الأزهر، ود. عبد الموجود عبدالفضيل الأستاذ بكلية أصول الدين، ود. عبدالصبور فاضل الأستاذ بكلية اللغة العربية، وغيرهم من أساتذة الأزهر (الذين لم يجدوا حرجاً من السفر إلى الكيان الصهيوني في مخالفة واضحة لكل الأصول الشرعية وقرارات اتحاد الجامعات العربية بمنع التعاون الأكاديمي مع إسرائيل) (عبدالرحمن سعيد/ مجلة السنة/ العدد 111).
ويبقى التأكيد على أن دفاعنا عن الوهابية لا يعني بأنها حركة منزهة عن الأخطاء والمثالب، ومن المؤكد أنه توجد فئة غير قليلة من السعوديين ترى أن الوهابية ليست فوق النقد، متى ما كان هذا النقد موضوعياً وعلمياً وموثقاً ودقيقاً، أما إذا كان الكلام عن الوهابية لمجرد السخرية والتطاول، فهذا وبكل المعايير يكون أمراً غير مقبول، ولا أظن أن إخواننا العقلاء في مصر يرضونه أيضاً.
إن الوهابية هي التي حققت لهذه البلاد وحدتها بعد طول تشتت وتحزب وتحارب وصراع، والوهابية هي الحركة الدينية الوحيدة في العالم العربي التي بنت دولة مستقلة، والوهابية هي الحركة الدينية الوحيدة التي حققت وحدة سياسية بين خمسة أقاليم عربية في دولة واحدة اسمها اليوم المملكة العربية السعودية.
وأكبر مثال على ذلك أنه حين غزاهم إبراهيم بن محمد علي باشا كانوا كلهم وكما قال شاعرهم، فيصل بن سعود بن عبدالعزيز:
لا أصلح الله منا من يصالحكم
حتى يصالح ذئب المعز راعيها
ولم تسقط الدرعية إلا بعد أن سقطت الأرض من دماء أبنائها حتى ارتوت، وبعد حصار مرير وطويل، وكتب التاريخ تزخر بقصص البطولات التي سطرها الوهابيون في دفاعهم عن دولتهم وفي معاركهم مع طوسون وأخيه إبراهيم، تلك المعارك التي لم تنته إلا بانبعاث الدولة السعودية ثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله، وثالثة على يد الملك عبدالعزيز.
وتحدثنا كتب التاريخ أن أول من سفك دمه دفاعاً عن الدرعية هم العلماء الوهابيون أنفسهم، وليس من المستغرب أن تكون الوهابية بهذه العملية والقوة مقارنة بغيرها، وذلك لأنها في الأساس حركة إصلاحية قامت على محاربة الخرافات وفكر الكرامات والخوارق، ولم تكتف بأي حال بالتواكل، لذا جاءت برجال تمكنوا من توحيد الجزيرة العربية كافة.
ولقد أنصف المفكر العربي المعروف محمد عابد الجابري الوهابية حين جعل من نشأتها (بداية) تاريخ النهضة العربية الحديثة، فلا نهضة مع الخرافة، ولا رجاء في تطور من يؤمنون بالخوارق والكرامات ويعتمدون على التواكل ويتجاهلون العمل. نعم نحن لسنا مع الغلو بكافة صوره، سواء كان وهابياً، أو أزهرياً (على غرار الفتاوى الأزهرية ضد طه حسين وعلي عبدالرازق مثلاً)، ولكن هذا لا يعني وبأي حال بأن نجعل من غلو البعض مبرراً في الطعن بالكل، ولو كان الأمر كذلك لطعن الفرنسيون بثورتهم، وشكك الأمريكيون باستقلالهم، ولما بقي بين أمم الأرض تاريخ تفخر وتزهو به.
ويبقى في نهاية المطاف تساؤل عن الأبعاد - الحقيقية - التي دفعت بمفتي مصر لقول مثل الكلام اللامسئول عن تاريخنا وبلادنا؟
ولقد اضطررت إلى ايراد هذه المعلومات التاريخية توضيحاً لما قد يلتبس في أذهان العامة من أن ما ذكره الشيخ الدكتور علي جمعة والذي نكن له جميعاً كل احترام وتقدير كعالم جليل هو الواقع الذي سارت عليه الدعوة الوهابية كحركة مقاومة سياسية فقط وليست حركة إصلاح ودعوة لمجتمع بأكمله كان يعاني انتشار البدع والخرافات التي أبعدت ابناءه عن الدين الصحيح.
ويبقى رأي فضيلة مفتي مصر الشيخ علي جمعة رأياً شخصياً لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يؤثر في عمق العلاقات والروابط التي تجمع بين الشعبين الشقيقين السعودي والمصري خاصة ونحن نعرف وقفاتهما الثابتة والموحدة ضد كل من يسعى للنيل من ثوابتهما الدينية والاجتماعية.
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
صتيمه غير متصل   الرد مع إقتباس