عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-04-2008, 01:23 AM   #1
فرناس
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2008
المشاركات: 281
إفتراضي الخطباء المتجولون

نعلم ما للخطابة من أهمية عظيمة ، فالتاريخ كتب بمداد حبرها ، و ما زال يكتب بها ، فكم من دولة سقطت لخطبة قيلت ، و كم من جيش رزق بجنود أصحاب أنفس مهزومة مكلومة كانت خطبة هي المشعل الذي أشعلهم قوة و شجاعة ، و كم من نفس كانت في القوة و التأثير كالسيل العرمرم من خطبة صارت كالندى الذي يكسو الأسطح الباردة مع إنفلاق الإصباح ، و كم تعلقت الناس بأطراف بعض الأمور حبا و إستعطافا كانت خطبة سبب لكره الناس أعينهم لذلك الشيء الذي كانت بالأمس تظن أن لا فكاك منه ، فعجيب أمر هذه الخطب يفعل ما لا يفعله أي شيء آخر يقلب العداوة إلى مودة ، و الحب إلى بغض
، و النفوس الشرسة إلى نفوس أليفة ، و ما كان أسودا لا بياض فيه إلى أبيض لا سواد فيه ، و ما كان بالأمس كفرا بواحا لا نرتضيه إلى فريضة سائغا ، و هو كذلك يقلب الإنتصار إلى هزيمة و عار ، و الهزيمة إلى نصر ما بعده هزيمة ، إن الخطب قديمة قدم الكلام فما إن عرفت البشرية إلا و عرفت معها الخطب و لذلك شعيب _ عليه السلام _ هو خطيب الأنبياء ، و مع قدم هذه الأداة إلا إنها جديدة تتجدد بمضمونها و حقيقتها ، و بما إنها قديمة إلا إنها لتحريك الجماهير كالهواء لمن أراد الحياة ، و لذلك بقى و سيبقى بريقها ما استمرت الحياة و سيبقى أثرها و مفعولها في الناس ، و لذلك لا تندهش إذا سمعت " الصحاف " و هي يلقي الكلمات النارية عن امريكا و سبها و تكذيب خبر دخول الجيش الأمريكي عاصمة السلام بينما الجيش الأمريكي يتجول في ضواحي بغداد حينها و الناس بالطبع لا تصدق إلا صاحب الصوت الأعلى ، و من قول اليهود في هذا العصر من يملك الإعلام يملك العالم ، و لما علم أهمية الخطبة فئة من الناس خلصوا إلى إنها المخرج و المناص من حالهم التعيسة إلى حالة نبع العين التي لا تنضب بالأموال و الخيرات ، فما عليهم إلا أن يخطئوا مرة و اثنتين و يطردوا شبح الخجل بعيدا و يتدثروا بدثار الجرأة و يفجروا المواهب الدفينة التي ما كانت لتتفجر لولا أن رأوا من آثارها و يصبروا أنفسهم قليلا فالصبر مفتاح الفرج ، إنهم الخطباء المتجولون الذي لا يعترفون بشيء اسمه مكان أو زمان ، فها هو _ أحدهم _ يترجل ليقف في مكان مشرف مطل و يبدأ في سرد خطبته العصماء مع صحبها بكل ما يعرفه من تأثيرات كي يستدر عطفهم و يوصل فكرته إلى القلب حتى إذا ما انتهى توجه عند باب المسجد ليكافئه الناس على هذه الخطبة العاطفية و على هذه الموهبة الفذة ، فالمسلم يفرح بوجود هذه الموهبة فلماذا لا يدعمها و يشجعها ؟ فالتشجيع طريقة تربوية للنماء و الإرتقاء ، و لذلك لا غرو في أن نرى الخطباء المتجولون يتكاثرون و يتزايدون كل يوم أكثر من سابقه و لكن يا للأسف و تقطيع الفؤاد فالرسالة مفادها واحد إستجداء و إستعطاف و إسترحام ، و لكن هؤلاء الخطباء المتجولون ماذا لو كانت رسالتهم تصب في صالح الإسلام تعليما و دعوة و وعظا ، و كذلك على مستوى الأدب شعرا و نثرا ، و الثقافة و العلوم التطبيقية ، ما هو حال أمتنا بهؤلاء الخطباء المتجولين الجدد و لكن بشرط أن يكون إتقانهم لرسالتهم إتقان هؤلا الخطباء المتجولون و أن يكون الدافع دافع داخلي .
ودمتم سالمين ؛
أخوكم " فرناس "
فرناس غير متصل   الرد مع إقتباس