أما قولك أن المجاهدين يباعون في الأسواق كالرقيق , فهل هم المجاهدين اليوم أكرم على الله من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة رضي الله عنهم يباعون في أسواق مكة , فخبيب أشتراه أبناء الحارث بن عامر لأنه قتل أبيهم يوم بدر ، أما زيد فقد أشتراه صفوان بن أمية , ليقتله بأبيه أمية بن خلف , وقد خرجوا بهم إلى خارج حدود الحرم وقتلوهم ثم صلبوهم على الأعواد فماذا تقول ؟ أم أن القتل والأسر محرم على شباب الأمة في هذا الوقت , وهل هناك جهاد بدون دماء وأشلاء وأسر وتعذيب , وكيف وصل لنا هذا الدين , أوصل على الأرائك والقصور الفارهة ومجالسة النساء والقعود مع الخوالف , أم وصل إلينا بالدماء والأشلاء والتضحيات وبذل المهج رخيصة في سبيل الله نصرة للحق والجهاد في سبيله ..
أما قولك أن الحرب اليوم ليست بالسيف والرمح , فوالله إني لأجزم أنه لو كانت الحرب اليوم بالسيف والرمح ما خرجت أنت ومن يقول مقالتك , فالوسائل لا تغير الحقائق , والله يوم أفترض الجهاد على الأمة علم أنه ستأتي هذه الأسلحة الفتاكة , ولم يقل لا تجاهدوا إذا لم يكن معكم طائرات وقنابل ذرية بل أمر عباده الموحدين ببذل جهدهم والنصر بيده سبحانه , وكل شيء يتغير بتغير الزمان ماعدا التكاليف الشرعية فهي ثابتة لا تتغير , ولو قلنا بمقالتك لعطلنا الجهاد حتى نملك هذه الأسلحة الفتاكة , وهذا الذي يريده الأعداء حتى يلتهمون بلاد المسلمين بلداً تلو بلد ونحن ننتظر اليوم الذي نملك فيه هذه الأسلحة وقد انتهكت الأعراض واستبيحت الحرمات , وعُلق الصليب على رقاب كثير من أبناء المسلمين , فهل يرضى الله بكلامك وهل هو حجة لك عند الله بتركك للجهاد والقعود والتخذيل عنه فلا يعقل إذن أن نقاتل الكفار بسيف ورمح وهم بالطائرات والقنابل , بل نذهب ونعد العدة ونتعلم ما نستطيع من الأسلحة حتى نحارب أعداء الدين , والأيام بين الناس دول والله يقول : (( وتلك الأيام نداولها بين الناس )) ..
والمعارك لا تقوم على قوه السلاح بل على قوه العقيدة حتى ولو كانت الطائفتان المتحاربتان كافرتين فالفيتناميون مرغوا أنف الأمريكان في التراب وهم شعب وثني جاهل بدائي , والأمريكيون كانوا يمتلكون أضخم ترسانة أسلحة في ذلك الوقت , حتى خرجوا يجرون أذيال الهزيمة وهم أذلة صاغرون , والعهد قريب بالحرب الأفغانية الأولى وكيف يقوم شعب جاهل أمي بدائي بحرب أعظم دولة في الثمانينات ويدمرونها ويفككونها , ويجعلونها أذل دولة , والأخوة الشيشانيون يواجهون مئات الآلاف من الجنود الروس وهم لا يتجاوز عددهم سبعة آلاف مجاهد , ومع ذلك لم يستطع الجيش الروسي القضاء عليهم مع قوته الحربية الضخمة وهو كل يوم يتكبد الخسائر تلو الخسائر ..
والمجاهدون في فلسطين والفلبين وكشمير وكردستان وإرتيريا والصومال وأوجادين وبورما وغيرها كثير يقاومون أعداء الله وهم قلة ومع ذلك لم يستطع العدو الكافر القضاء عليهم , والتعلم على أحدث الأسلحة موجود في ساحات المعارك والمجاهدون ولله الحمد اليوم أتقنوا كثير من الأسلحة المتطورة بل وصل ببعض الجماعات أن بدأت بتصنيع الأسلحة مع ما يؤخذ من الكفار من الغنائم وهى كثيرة ولله الحمد , والذي يريد أن يعد العدة لا يجلس مع النساء ويتباكى على واقع المسلمين بل ينفض عنه غبار الخور والجبن ويشمر عن ساعد الجد ويلحق بركب المجاهدين ويرى بأم عينيه كيف تسطر البطولات على صفحات التاريخ ..
ثم أيها الشيخ أين عقيدة التوكل والثقة بنصر الله أين الآيات والأحاديث الدالة على أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك أم أنها فقط للتلاوة والتدريس في حلق العلم وليس لها على أرض الواقع من نصيب أين قوله تعالى : (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) أين قوله تعالى : (( قل لو كنتم قي بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم )) وأين (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيده )) وأين قوله تعالى : (( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم )) , وأين حديث النبي
صلى الله عليه وسلم : " يا غلام إني أعلمك كلمات أحفظ الله يحفظك " ..
ثم ألم تقرأ قصة البراء بن مالك رضي الله عنه ، يوم ألقى بنفسه في حديقة الموت وفيها خمسون ألف مقاتل فقاتلهم وحده حتى فتح باب الحديقة للصحابة ومع ذلك لم يقتل بل أصيب بعدة إصابات شفي منها بعد مدة فعاد إلى ساحات الجهاد حتى قتل في فتح تستر , وهذا خالد بن الوليد سيف الله المسلول خاض عشرات المعارك ولم يقتل بل مات على فراشه وهو يبكي على نفسه أنه لم يمت في ساحات المعارك وقال قولته المشهورة : " لقد خضت مئة معركة ولا يوجد في جسمي موضع شبر إلا فيه ضربة بسيف أو طعنة برمح , وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء " , فالتوكل على الله من أجل العبادات القلبية , ولو لم نؤمن بالقضاء والقدر لم يخرج الواحد منا من بيته لقضاء حوائجه وطلب رزقه ..
قال الشيخ - وقد أخذ منه الغضب كل مأخذ- : اذهب عنا فقد عطلت درسنا وأضعت وقتنا ..
قال الشاب - بصوت مبحوح قد خنقته العبرة- : أسمع كلمتي وأنقلها للعلماء القاعدين عن الجهاد المخذلين بقعودهم غيرهم , إن التاريخ لا يُكتب على الأرائك , والأمجاد لا تسطر بالادعاء , والحق لا يؤخذ بالدعوات السلمية , والقنوات الفضائية , والبيانات البلاغية , إن التاريخ لا يكتب إلا بدماء الشهداء ولا يضئ صفحاته إلا بالتضحيات , والحق المسلوب لا يسترجع إلا بحد السيف وإن جماجم الرعيل الأول هي السلم الذي ارتقى عليه الدين , والله ثم والله لن تعود حقوقنا المسلوبة وتُكف أيدي الغزاة عن أعراض المسلمين إلا بدماء الأبطال من جيل اليوم , الذين باعوا الدنيا يوم رغبتم بها , وركلوها بأقدامهم يوم احتضنتموها بأجسادكم , ونفروا يوم قعدتم وصدقوا مع الله يوم كذبتم , وضحوا بكل شيء يوم بخلتم , والله لن تثنيهم ترهاتكم ودعواتكم السلمية وحملاتكم الإعلامية الإنبطاحة التي ما هي إلا طعنات في خاصرة الأمة , والشجرة لا يقطعها إلا أحد أغصانها ..
أيها العلماء القاعدين المخذلين عن الجهاد : اتقوا الله في أمة محمد , اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله , اتقوا يوماً تسألون فيه عن علمكم ماذا فعلتم به وهل بلغتم دين الله كما يحب الله , وعن أعماركم بما أفنيتموها , وهل نصرتم أخوة لكم في الدين وهل رديتم معتدي , وأعنتم مجاهد , وقمعتم مرتد , وفضحتم دخيل زنديق , أم أنه سلم منكم الطغاة والمتجبرين والمرتدين والمبدلين لشريعة الله , وسليتم سيوفكم على المجاهدين أهل التوحيد والتضحية والصدق مع الله , أهل العزة والجهاد , ورميتموهم عن قوس واحدة , وأجلبتم عليهم بخيلكم ورجلكم ولم تنصفوهم , فهلا إذا لم تعينوهم أو تذبوا عن أعراضهم سكتم عنهم وتركتموهم يعملون في طريقهم يحملون أحزانهم في صدورهم يبذلون دمائهم لمليكهم ..
وأنتم إن كنتم كما تزعمون تقدمون لهذا الدين , فدعوا المجاهدين يقدمون للدين على طريقهم ولا تنتقدونهم , دعوهم يكتبون التاريخ بدمائهم ويسطرون الأمجاد بتضحياتهم , ويغسلون العار عن أمتهم بأجسادهم , دعوهم يرحلون بهمومهم على أكتافهم يلاقون بها ربهم , دعوهم يمسحون جراح أمتهم بهجرهم للذاتهم وأهليهم , دعوهم يقيمون الحجة على المتخاذلين والقاعدين , فهم أمل الأمة , ومشاعل الهداية , ونجوم الدجى , وتيجان الفخار ..
دعوهم يكتبون للأجيال القادمة قصة رجال رفضوا أن يعيشوا كما تعيش النعم , مطأطئي الرؤوس , خانعي الرقاب , فهم الذين سيكتبون التاريخ للأجيال ويسطرون أحرفه بدمائهم وستترحم عليهم الأجيال القادمة وتتخذهم قدوة لها كما اتخذوا هم الأبطال من الأجيال السابقة قدوة لهم , أما العلماء القاعدين عن ركب العز والفخار فسيكتبون على هوامش صفحات التاريخ , وقد لا يجدوا مكان لهم على صفحاته , فالتاريخ لا يسجل بمداده إلا قصص الأبطال ..
وإني أقولها لكم إن العدو قادم وهو لا يفرق بين عالم وجاهل وإن لم تتحركوا الآن والعدو على أطراف بلادكم فسيأتي إليكم ويستبيح أعراضكم كما سكتم عن أعراض المسلمات , وسيبيعكم أنتم وأبنائكم في الأسواق كما تركتم أبناء المسلمين يباعون للنصارى ولم تحركوا ساكناً وقد سقطت بغداد وسيسقط غيرها , وليس خبر التتار عنكم ببعيد , فاستعدوا للتتار الجدد , وموتوا أعزة وذبوا عن أعراضكم كالرجال , أو موتوا أذلة صاغرين , كما مات العلماء الذين كانوا في بغداد يوم سقطت بيد التتار , اللهم هل بلغت , اللهم هل بلغت فاشهد , اللهم إني أبرء إليك من هؤلاء المتخاذلين القاعدين عن الجهاد , الساكتين عن الحق , الملبسين على الناس دينهم الآكلين بآياتك ثمنا قليلا ..
واستدار الشاب وتوجه إلى باب المسجد , وهو يحمل جراح أمته في صدره , تتسابق العبرات على خده , والألم يعتصر فؤاده أنه لم يجد من يعينه على طريقه المحفوف بالمخاطر , وزادت مرارة الألم أن يخون الأمة علمائها , ويكونون عقبة على طريق رفعتها وعزتها ..