عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-03-2008, 10:09 PM   #1
RWIDA
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 226
إفتراضي التعاون على البر والتقوى

الفرق بين البر والتقوى، والإثم والعدوان: قيل البر والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكل برّ تقوى، وكل تقوى بر. وقيل: البر يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب، وَلِذَلِكَ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى التَّعَاوُنِ بِهِ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ فَقَالَ: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى لِأَنَّ فِي التَّقْوَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْبِرِّ رِضَى النَّاسِ.
وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَى النَّاسِ فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَتُهُ وَعَمَّتْ نِعْمَتُهُ.
و«البرّ هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين، والتقوى في هذه الآية: اسم جامع، لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة .
وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ مفرقا بينهما:«وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى:وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىفالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها، فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم.
وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه». [الرسالة التبوكية ص8]
أما الفرق بين الإثم والعدوان فقد قال شيخ المفسرين الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ: «الإثم: ترك ما أمر الله بفعله، والعدوان: مجاوزة ما حد الله في دينكم، ومجاوزة ما فرض عليكم في أنفسكم وفي غيركم». [تفسير الطبري 9 / 490]
وقال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ: «وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها، ويحرج. وَالْعُدْوَانِ وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه».
ومن القواعد المؤكّدة في التعاون: أن المعاونة على البرّ: برّ.
قال الإمام البيهقي- رحمه الله-: «باب في التعاون على البر والتقوى قال الله عز وجل وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ومعنى هذا الباب أن المعاونة على البر بر لأنه إذا عدمت مع وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها بر ثم رجح هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل الدين والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من الاشتراك فيها وأدائها بالجماعة». [شعب الإيمان 6 / 110]
التعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها: قال ابن مسكويه ـ رحمه الله ـ في «تهذيب الأخلاق» «المقالة الخامسة (التعاون والاتحاد) قد سبق القول في حاجة بعض الناس إلى بعض وتبين أن كل واحد منهم يجد تمامه عند صاحبه وأن الضرورة داعية إلى استعانة بعضهم ببعض لأن الناس مطبوعون على النقصانات ومضطرون إلى تماماتها ولا سبيل فالحاجة صادقة والضرورة داعية إلى حال تجمع وتؤلف بين أشتات الأشخاص ليصيروا بالاتفاق والإئتلاف كالشخص الواحد الذي تجتمع أعضاؤه كلها على الفعل الواحد النافع له».
(وَإِنْ كَانَ النَّاسُ لُحْمَةً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ التَّعَاوُنِ وَلَا يَسْتَقِلُّونَ عَنْ الْمُسَاعِدِ وَالْمُظَافِرِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ تَعَاوُنُ ائْتِلَافٍ يَتَكَافَئُونَ فِيهِ وَلَا يَتَفَاضَلُونَ وَرُبَّمَا كَانَ الْمُسْتَعِينُ فِيهِ مُفَضَّلًا، وَالْمُعِينُ مُسْتَفْضِلًا كَاسْتِعَانَةِ السُّلْطَانِ بِجُنْدِهِ وَالْمُزَارِعِ بِأَكَرَتِهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا بُدٌّ وَلَا لِأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَصَوَّنُ عَنْهُ الْكِرَامُ تَعَاوُنُ التَّفْضِيلِ فَيَنْقَبِضُونَ عَنْ أَنْ يَسْتَعِينُوا لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِمْ يَدٌ، وَيُسَارِعُونَ أَنْ يُعِينُوا لَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ يَدٌ).
الأسباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البرّ والتقوى والمشاركة في الخير عدّة ومنها:
1ـ تحصيل ثواب امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
2ـ زيادة الأجر والمضاعفة: قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «فإن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها كالصلاة في جماعة ؛ فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفا لمشاركة غيره له في الصلاة، فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر بل قد قيل إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين، وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ»، [متفق عليه].
ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم، وقد أخبر الله سبحانه عن حملة العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم وأخبر عن دعاء رسله واستغفارهم للمؤمنين كنوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم ».
[الروح لابن القيم 1 / 128]
4ـ الحاجة: فإنّ كثيرا من الأمور الدنيوية والشرعية لا يُمكن تحقيقها فرديا، ولهذا قيل: لا يعجز القوم إذا تعاونوا.
5ـ إتقان العمل وسهولة القيام به يكون أبلغ مع التعاون وذلك أن الاشتراك في العمل مع آخرين يجعله أخفّ مشقّة وأسهل لتوزّع الحمل على الجميع.
والتعاون المأمور به في الآية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى: مِنْ الْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَإِعْطَـاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ ؛ فَهَــذَا مِمَّــا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ» . [الفتاوى 6 / 376]
وقال ـ رحمه الله ـ: «التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، بِحَيْثُ تَجْمَعُهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ، وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةُ اللَّهِ، كَمَا يَقُولُونَ: تَجْمَعُنَا السُّنَّةُ، وَتُفَرِّقُنَا الْبِدْعَةُ».
[الفتاوى 9 / 211]
وقال الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ: «والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة «الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» [صحيح الجامع 6666] ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصرة له ورده عما هو عليه» .
والتعاون المنهي عنه في الآية:قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ كَالْإِعَانَةِ عَلَى دَمٍ مَعْصُومٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ مَعْصُومٍ أَوْ ضَرْبِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ». [الفتاوى 6 / 376]
وليُعلم أن المعاونة تكون بالجاه والبدن والنفس والمال والقول والرأي.
أولاً: التعاون في الدعوة ونصرة الدين: قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: «حرضّ الله تعالى عباده المؤمنين على نصرة دينه وأوليائه، ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة بشتى الوسائل المشروعة، فقال عز وجل:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [الصف:14].
أي يساعدني في الدعوة إلى الله».
[البداية والنهاية]
RWIDA غير متصل   الرد مع إقتباس