عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-01-2008, 06:58 AM   #6
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

هكـذا الملك والملــوك




المكان : ضفة النيل السعيد – منف .

الزمان : يوم ما من عام 525 قبل الميلاد .






إقترب النهار على الإنتصاف ، هدوء قاتل يخيم فوق الجموع كأن علي رؤوسهم الطير ، ينظر قمبيز بعين حاقدة إلى أبسماتيك الثالث الملك المهزوم الذى لم تكسر هزيمته من إباءه وشموخه ونظرته التى أثارت الحقد والغيظ فى أحشاء قمبيز ملك الفرس ،يتبادلان نفس النظرة وكل منهما يعلم يقينا أنهما سليلا حضارتين عريقتين فى فجر الحضارات ، لم يشف غليل قمبيز إنتصاره الساحق بل أراد أن يمحق بقية الزهو وعزة النفس المرتسمة على وجه أبسماتيك فى هذا الموقف العصيب ، عادة الملوك كما قالت الملكة بلقيس "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة" ، حتى فى أرقى الحضارات لا تزال الملوك لا تشبع رغبتها إلا التنكيل بقرناءها ، قتل العجل آبيس وخرب المعابد والهياكل وقتل وسفك ، إرتكب بهمجيته كل جريمة ولكن لا يكفى ، فكرة حقيرة جالت بخاطره ..
إنها بنت فرعون بنت الحسب العريق والرفاء المدلل , كبلها بالسلاسل وألبسها كالجوارى وأعطاها جرة وأمرها أن تملأها وتسقى جموع المنتصرين ،
تماما كما تفعل الإماء لكنها كأبيها مشت حافية القدمين تظهر الإباء وتحبس دمعاتها الحارة ،
نظر قمبيز إلى أبسماتيك الذى لم يحرك فيه هذا المشهد المروع طرفا واحدا ، فكرة أخرى أخسّ وأحقر .. جاء بأقرب أصدقاءه إلى قلبه وألبسه ثوب الفقراء وأمره أن يسأل ويمد يده لجموع الشاخصين ، هنا لم يتمالك دموعه فأجهش بالبكاء .. آلمه المشهد .. فلطالما نظر إليه وهو الأبىّ الشامخ وهاهو فى موقف الذل والمهانة .. لم يبك من ضعف ومهانة ،بل بكى رحمة ووفاءا .. هكذا الملك والملوك وإن جار بهم الزمان .
لم يسجل التاريخ همجية قمبيز فحسب بل سجل معها عقابا قاسيا جراء ما اقترفته يداه ، ذهب بغطرسته لغزو النوبة فباء بالفشل وفى اثناء عودته عبر واحات سيوة هبت عاصفة فى الصحراء دفنت هذا الجيش كله ولم ينج منه أحد. ولم يجد قمبيز بُدًّا من العودة إلى فارس، ولكنه مات في الطريق عام (522 ق.م) وقيل إنه انتحر.





لا رعاك التاريخ يا يوم قمبيز ولا طنطنت بك الأنباءُ
دارت الدائرات فيك ونالت هذه الأمة اليد العسراءُ
يوم منفيس والبلاد لكسرى والملوك المطاعة الأعداءُ
يأمر السيف فى الرقاب وينهى ولمصر على القذى إغضاءُ
جىء بالمالك العزيز ذليلا لم تزلزل فؤاده البأساءُ
يبصر الآل إذ يراح بهم فى موقف الذل عنوة ويجاءُ
بنت فرعون فى السلاسل تمشى أزعج الدهر عريها والحفاءُ
وأبوها العظيم ينظر لما رُدّيت مثلما تُردى الإماءُ
أُعطيت جرّة وقيل إليك النهر قومى كما تقوم النساءُ
فمشت تظهر الإباء وتحمى الدمع أن تسترقه الضراءُ
والأعادى شواخصٌ وأبوها بيد الخطب صخرة صماءُ
فأرادوا لينظروا دمع فرعون وفرعون دمعه العنقاءُ
فأروه الصديق فى ثوب فقر يسأل الجمع والسؤالُ بلاءُ
فبكى رحمة وما كان من يبكى ولكنما أراد الوفاءُ
هكذا الملك والملوك وإن جار زمانٌ وروعت بلواءُ
__________________


آخر تعديل بواسطة محمد الحبشي ، 06-11-2008 الساعة 12:19 PM.
محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس