وفي ذلك عبر
وفي ذلك عبر:
فالذين خدعوا في لعبة الانقلاب العسكري، لعلهم الآن اعتبروا مما فعل "مشرف"، إذ حكم العسكر هو حكم لا يمكن لأحد أن يحدد اتجاهاته إلا من اعتلى المرتبة الأعلى وحيداً منفرداً.
والذين أيدوه من منطق الحرص على باكستان من صراعات النخب السياسية الفاسدة لعلهم اعتبروا الآن، حيث مثل هذا الرجل "الغامض" في بدايته، لم يكن واجباً تأييده إلا وفق وضوح لبرنامجه السياسي، وأن البديل للنخب الفاسدة هو تجديد النخب لا اللجوء إلى خيارات المجهول، وأنه كان مطلوباً حين ظهرت توجهاته أو حين بدأ تقديم التنازلات للولايات المتحدة، أن يجري التحول لمجابهته من فور بروز تلك التوجهات دون انتظار حتى فعلت تلك التوجهات فعلها وأضعفت باكستان إلى درجة أن الولايات المتحدة بات بعض المسؤولين فيها يصرحون بأنهم رصدوا ميزانيات لحماية المنشآت النووية الباكستانية، أو لنقل لإحكام السيطرة على مقدرات باكستان الاستراتيجية.
والذين قاوموه دون فعل يتناسب مع ما فعل، هم الآخرون فهموا العبرة، من ضرورة أن تجري المقاومة بقدر الخطر الذي يتهدد البلد المعني، دون تردد أو وجل، إذ مقاومتهم "المترددة" لم تفعل شيئاً سوى أنها مكنت "مشرف" من استخدامها كورقة من أوراق المساومة مع الولايات المتحدة، أو لنقل أن هذا النمط من المقاومة غير القادرة على تغيير السياسات لم يكن متناسباً مع حجم المخاطر التي ألمت بباكستان على يد "مشرف".
إلى أين
المهم الآن، أن آخر المناورات الاستراتيجية لـ"مشرف" لم تكن أقل في مخاطرها على باكستان مما فعل من قبل. فضمن إطار الرؤية السياسية التي تحرك من خلالها "مشرف" في التعامل مع الأطراف الخارجية خاصة الولايات المتحدة والهند، وفي نظرته إلى حجم التحديات التي واجهها نظامه، جاءت خطته الاستراتيجية الجديدة غير بعيدة عن ما فعل منذ وصوله إلى الحكم.. وحتى تلك المناورة.
فمشرف حين قبل بالتحالف مع "بوتو" وبعودة "شريف"، وحين رضخ لفكرة "عودة" الديموقراطية!.. لم يفعل كل ذلك إلا من أجل قطع الطريق على تحول الحركة الإسلامية إلى قوة قادرة على تغيير المرتكزات التي أرساها منذ استولى على الحكم وحتى تلك المناورة.
من مناورته استهدف "مشرف" مواجهة تهديد العمل المسلح الجاري في الأطراف، بجذب الأنظار والجمهور إلى الديموقراطية في المركز، لتقليل الزخم السياسي والجماهيري بشأن ما يجري في الأطراف – والذي هو مهدد بتفكيك باكستان بالفعل إذا لم يجر على أسس التغيير في البلد كله – ومنع الأطراف من التحول باتجاه السيطرة على المركز أو على السلطة السياسية المركزية في البلاد.
وهو من جانب آخر، حاول شق صفوف الحركة الإسلامية مجدداً، بجعل قطاع منها قابل للمشاركة في اللعبة الديموقراطية، ليستخدم كغطاء سياسي لضرب القطاع الذي حمل السلاح ضد "مشرف".
وهو في كل ذلك، لا يفعل شيئاً لتغيير الواقع الذي شارك في فرضه في أفغانستان، حتى تحولت من حليف طبيعي واستراتيجي لباكستان إلى شوكة في خاصرتها، كما هو لا يفعل شيئاً في مواجهة ما "أنجزه" من تغول للنفوذ الأمريكي في باكستان، وإنما هو يظل مستهدف الحركة الإسلامية في باكستان، التي أصبحت هي نقطة التقاؤه مع الولايات المتحدة والهند أيضاً!.
لكن أقدامه قد قادته إلى دائرة تضيق حول عنقه، إذ هو انعزل عن شعبه، وأهدر مقومات الأمن القومي لوطنه، وانحنى للضغط الخارجي إلى درجة التحالف ضد قوى داخلية، فصارت مصلحة الدولة والمجتمع.. أن يغادر، ومصلحة الخارج أن يغادر، وهنا تجري وقائع معركة أخرى، يجري إطفاء الأنوار عنها، لا علاقة لها باللعبة الأمريكية.
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
|