المصابر اقرا هذا الموضوع وبتعرف مين الامريكي اللي تسبب باضغاف اقوى دوله اسلاميه
باكستان: من له في نهاية مشرف.. عبرة؟!
18/12/1428
طلعت رميح
يبدو درس "برويز مشرف" هام للغاية، للمحكومين والحكام، وللكتاب والمحللين السياسيين، وربما هو درس صالح لكل زمان ومكان، ومستنسخ من كل وقائع التاريخ الشبيهة!.
الآن، يمكن القول بأن "مشرف" ذهب إلى منفى "الرئاسة"، كخطوة أخيرة في رحلته إلى خارج حكم باكستان.
كل الدلائل تشير إلى ذلك، سواء المحلية منها أو الخارجية. على الصعيد الداخلي، لم يعد هناك من هو في صفه فعلياً، أو لنقل لم يعد هناك من يرى فيه "الأهلية" لأن يظل في موقع من المواقع المؤثرة في إدارة البلاد، إذ كل القوى المختلفة – المتعارضة والمتصارعة – لم تجمع على شيء، قدر اجتماعها على أن "مشرف" يجب أن يرحل، أو لم يعد بالإمكان إلا أن يرحل. أما القوى الخارجية الإقليمية والدولية، فهي الأخرى باتت تتوق إلى لحظة ترى الرجل فيها، بعد أن ارتدى زيه "المدني"، رئيساً، مغادراً إلى خارج الحكم بعيداً عن كرسي الرئاسة، أو لنقل أنها ترتب علاقاتها مع الداخل الباكستاني على أساس أن رحيل ذاك الرجل من سدة الحكم بات قدراً محتوماً!.
الذين أيدوه، مطلوب لهم العبرة، والذين صمتوا على كل ما فعله، لعلهم أخذوا العبرة، والذين قاوموه دون فعل يتناسب مع ما فعل هم بالتأكيد الآن، حصلوا على العبرة. الجميع الآن، بات يفهم عبرة استخدام "مشرف" لمرحلة ثم الاستغناء عن خدماته بعد أن احترق، باعتبارها قمة العبر أو عبرة العبر.
نقطة البداية!
في نقطة البداية لـ"مشرف"، وفي الطريق الذي شقه نحو النهاية، لا بديل أن يُشار إلى أن الرجل جاء إلى كرسي الحكم في بلد هو الأشد اضطراباً، وفي ظرف هو الأعقد من نوعه في تاريخ هذا البلد الإسلامي، الذي هو من الأصل عاش وما يزال يعيش في دوامة صراع مع الخارج، ربما يمكن القول بأنها من أشد أنماط الصراعات تأثيراً على اتجاهات التحولات والتغييرات الداخلية.
فباكستان التي هي بلد طرفي "معزول" عن بقية جسد الأمة، يواجه صراعاً مع بلد "ضخم" القدرة والإمكانيات، كان هو ذاته جزءاً منه، أي الهند، كما هو مجاور لبلد المليار وربع المليار إنسان، أي الصين، وفي ذلك لم تهبه الجغرافيا السياسية إلا أفغانستان، التي هي الدولة الإسلامية الوحيدة المجاورة له، والتي هي المكمل لأمنه القومي الاستراتيجي والجزء الحيوي المكمل له. أفغانستان لباكستان هي بلد منه، ومكمل له، ودونها لا يحيا وسط الديناصورين الهندي والصيني بقدراتهما ما توفره لأمنهما القومي مقومات الجغرافيا الواسعة الأرجاء.
وفي نقطة البداية، فإن معركة باكستان مع جارها الخصم – الهند – لم تتوقف يوماً منذ انقسام الهند واستقلال باكستان. دخلت باكستان حرباً جديدة بعد حرب استقلالها، خسرت فيها بنجلاديش، التي كانت جزءاً من الدولة والمجتمع الباكستاني بعد الاستقلال، وكان لانفصالها عنه إضعافاً لقدرات الدولة الباكستانية. كما باكستان ومنذ يومها وهي تكافح لبقائها وبقاء كشمير جزءاً منها؛ إذ جزء من كشمير تحت الاستعمار الهندي، بما يجعل الصراع الهندي الباكستاني متجدداً.
ووفقاً لمحددات ومهددات الأمن القومي الباكستاني تلك، فإن هذا البلد، كان متحالفاً مع خصوم الهند خلال الحرب الباردة، ولذا نمت علاقاته مع الولايات المتحدة، كما شهدت علاقاته مع الصين انعطافة قوية ما بعد الخلاف الصيني السوفيتي لمصلحة العلاقات الباكستانية الصينية. كما أن هذا البلد من الجانب الآخر، كان دوماً متطلعاً إلى ارتباط استراتيجي مع أفغانستان، بكل عوامل الارتباط، ومن ضمنها أن الجغرافيا الباكستانية مقارنة بالعملاقين الهندي والصيني، لا تملك مقومات الصمود الاستراتيجي إلا بإضافة الأرض الأفغانية إلى الأرض الباكستانية، والقوة الأفغانية إلى الباكستانية.
هذا البلد من الجانب الآخر، كان دوماً متطلعاً إلى ارتباط استراتيجي مع أفغانستان
وهكذا جرت وقائع المحافظة على مقومات الأمن القومي الباكستاني منذ نشأة باكستان، حتى جرت وقائع الغزو والاحتلال السوفيتي لأفغانستان، وفي ذلك لم يكن لباكستان أن تعرف التردد في المواجهة أو تشكيل التحالفات لإنقاذ أفغانستان. كان الغزو بمثابة حصار سوفيتي لباكستان (الموالية للغرب) بالتنسيق مع الهند، التي كانت وقتها ضمن وداخل إطار التحالف مع الاتحاد السوفيتي، فكان الغزو ضربة لباكستان في أخطر مقومات أمنها القومي الاستراتيجي وتطويقاً لها من الجانب الآخر، هو كان بمثابة تطويق سوفيتي للصين التي كانت قد خطت خطوات بعيدة في العلاقات مع الولايات المتحدة.
جرى الصراع في أفغانستان باكستانياً بامتياز، وفي ذلك تراجع الصراع حول كشمير، كما بات النفوذ الأمريكي في باكستان في حالة تزايد، حتى انتهت حرب أفغانستان وانتهى بعدها وبسببها – ولأسباب أخرى طبعاً – الاتحاد السوفيتي، وتحول العالم إلى نمط آخر جديد من توازنات القوة والقدرة.
ارتسمت ملامح عناصر القوة الاستراتيجية لباكستان في المرحلة الجديدة، من خلال امتلاك السلاح النووي، وعلى أساس تولي حركة طالبان الحكم في أفغانستان وهي الأقرب إلى باكستان من كل ما عداها، كما تعمقت الصلات الاستراتيجية مع الصين، وعادت قضية كشمير إلى التفجر مجدداً، لكن أحداث 11 سبتمبر 2001 عاجلت باكستان بأخطر مما عاجلت وأثرت على غيرها، وقعت باكستان تحت ضغط من الأعداء والحلفاء معاً:
الهند، التي كانت سابقاً، بمثابة الخصم للولايات المتحدة، تحولت إلى التحالف مع الولايات المتحدة.
والأخيرة التي كانت داعمة لباكستان في مواجهة الهند، صارت هي من تحتل أفغانستان ضاربة عرض الحائط بمعاملات الأمن القومي الباكستاني، إذ هي أطاحت بحليف باكستان في أفغانستان (طالبان)، وأحلت محلها في الحكم، "خصماً" لباكستان، كما الولايات المتحدة، باتت هي "الضاغط" على الحكم في باكستان تحت زعم الحرب على القاعدة واتهاماً لها بمساندة طالبان.
لم يفعل كل ذلك إلا من أجل قطع الطريق على تحول الحركة الإسلامية إلى قوة قادرة على تغيير المرتكزات
وكانت تلك هي بداية سيرة "مشرف"، الذي قبل بالتحالف مع الولايات المتحدة التي تضغط عليه!، وتحتل أفغانستان التي هي أحد عوامل أمنه القومي!، وتتحالف مع الخصم الاستراتيجي لباكستان (الهند)، فكان بذلك خارج إطار الرؤية السابقة للأمن القومي الباكستاني ومهدداته!.
الرضوخ..
رضخ "مشرف" للضغط والشروط الأمريكية، كما هو تحت الشعور بالمأزق الاستراتيجي في أفغانستان سار نحو إضعاف ملامح الصراع مع الهند، التي لم تكتف في تقدمها في مواجهته بتعزيز دورها في كشمير، بل هي طورت هجومها باتجاه محاصرة باكستان من أفغانستان ذاتها، فصارت ضمن التحالف الداعم للحاكم الأمريكي في أفغانستان، سعياً لتطويق باكستان في كل الاتجاهات، فلم يعد أمام مشرف إلا الصين.
وهكذا إذ برر "مشرف" رضوخه وتغيير سياساته وتحالفاته، والخروج على مقومات الأمن القومي الباكستاني، بالحفاظ على القدرة النووية الباكستانية، فإنه في واقع الحال كان داخلاً إلى خطوط صراع داخلي مع بعض مؤسسات الدولة، ومع الكتل الوطنية، وبطبيعة الحال مع الحركة الإسلامية بكافة فصائلها واتجاهاتها ليدخل بقدميه إلى دائرة يزداد إحكامها حول عنقه.
فهو برضوخه للضغوط الأمريكية صار يضعف وتضعف معه عوامل القوة الباكستانية، بما يدفع الولايات المتحدة لتكثيف ضغوطها عليه. وهو بمناورته في تخفيف ملامح الصراع مع الهند صار يدفع الهند إلى مزيد من التحركات الساعية إلى خنقه وتحقيق مكاسب استراتيجية على حساب باكستان، وهو بتخليه عن مقومات الأمن القومي الباكستاني وبرضوخه للولايات المتحدة والهند، صار يهيئ كل السبل ويوفر كل المقومات أمام المعارضة الإسلامية في الشارع الباكستاني للثورة ضده، خاصة؛ لأنه في رضوخه أمام الولايات المتحدة والهند، صار يشن حرباً على كل مناشط العمل الإسلامي في داخل باكستان، كما صار يمارس سياسة "مجنونة" تجاه مناطق القبائل المحتفظة بنقاوة ارتباطها بالإسلام، والتي لا تنظر لأفغانستان وما جرى فيها ولها، كمجرد حالة من حالات الإضرار بالأمن القومي الباكستاني، بل تخلياً عن جوانب عقائدية، إضافة إلى أن التمازج والتداخل بين تلك القبائل الباكستانية ونظيرتها الأفغانية، قد أدخل عوامل جديدة في تأجيج الصراع ضد "مشرف".
وهكذا تحولت الرؤية لـ"مشرف" من أنه قائد جيش تحرك لإنقاذ باكستان، إلى مجرد ضابط مرتبط بالمفاهيم الغربية (علماني)، ومفرط في ثوابت الأمن القومي ومهدد للمجتمع، ومتحالف مع عدو الإسلام الذي يشن حرباً عليه معتقداً وأمة، كما هو في ذات الوقت، بات يفقد مكانته وقدرته على الوفاء بالمتطلبات الأمريكية، بما دفع الولايات المتحدة إلى البحث عن حلفاء جدد لها في باكستان، فكان أن قدمت "بي نظير بوتو" بديلاً سياسياً لحكم "مشرف"، فأعادتها إلى البلاد اتفاقاً مع "مشرف" وضغطاً عليه، وكان أن عاد إلى البلاد "نواز شريف" الذي سبق أن انقلب عليه "مشرف" وقت أن كان رئيساً للوزراء، وذلك في وقت تصاعد فيه العمل المسلح ضد "مشرف" في مناطق القبائل وباتت تسود الشوارع الباكستانية المظاهرات الغاضبة، وفي ذلك أصبحت أجهزة الدولة الباكستانية ذاتها، لا ترى "مشرف" قادراً على مواجهة التطورات الجارية. انتهى الأمر بـ"مشرف" أن أصبح وحيداً تقريباً، فخلع بزته العسكرية وترك الجيش إلى غيره، ليصبح هو رئيساً "فخرياً" لباكستان، تمهيداً للذهاب إلى عالم النسيان.
تابع
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
|