نتابع نص الحوار في الحلقة الرابعة
> ما قولك في من يقول إن «الوثيقة» من صنع الاستخبارات المصرية أو على الأقل أشرفت على إعدادها؟
- هم يعلمون مسبقاً أنهم لن يستطيعوا الرد على ما جاء في الوثيقة لأنني لا أتكلم إلا بدليل من الكتاب أو السنة، فلم يبق أمامهم إلا تجريح صاحب الوثيقة بأنها من صنع الاستخبارات وأجهزة الأمن، والنبي (صلى الله عليه وسلم) لم يسلم من السب والاستهزاء فكيف بنا نحن؟ قال أعداؤه «إنما يعلمه بشر» (النحل 103)، وقالوا «أساطير الأولين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلاً» (الفرقان 5)، وقالوا «أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر» (الأنبياء 5)، وقالوا «ياأيها الذي نُزِّل عليه الذكر إنك لمجنون» (الحجر 6).
والرد على هذه الفرية كالرد على قولهم إن الوثيقة وليدة السجون. فهل كنت أنا في سجون السلطات المصرية عندما أنكرت على «جماعة الجهاد» الصدام في مصر العام 1992 وأنا في باكستان، ثم في السودان في 1994، ثم شجعت أسامة صدّيق في ألمانيا على إعلان مبادرته عام 2000، فهل كنت لدى الاستخبارات المصرية حينئذ؟
أما الذين هم من صنع الاستخبارات فهم بن لادن والظواهري وأتباعهما الذين عاشوا ألعوبة في أيدي الاستخبارات السودانية كورقة سياسية بعدما باع الظواهري إخوانه وحولهم إلى عملاء ومرتزقة لنظام حسن الترابي وعلق إخوانه على أعواد المشانق وملأ بهم السجون المصرية عمالة للاستخبارات السودانية. ثم عاشوا كلهم بعد ذلك في كنف الاستخبارات الباكستانية التي كانت تستعملهم ورقة سياسية في المعادلة الإقليمية في شبه القارة الهندية وفي أسيا الوسطى.
> لكن وجودك داخل سجن مصري يجعل المعترضين على وثيقتك في موقف أقرب إلى هؤلاء المقتنعين بفكر الجهاد؟
- العبرة بدليل كلامي لا بمكانه، وأكرر لماذا يخافون من كلامي ويستبقون نشر كلامي بالهجوم والتجريح؟ أليس هذا دليل إفلاسهم؟ ألم يصفوني في يوم من الأيام بأنني «مفتي المجاهدين في العالم»؟ وألم يصفوني بأنني «العالم المرابط والمفتي المجاهد»؟ وذلك في دعايتهم لكتابي (الجامع) قبل فراغي منه، فلما اطلعوا عليه كتموه وحرّفوه وشوهوه وسرقوه، واليوم لما سمعوا بالوثيقة إذا بهم يسفهون، وفعلهم هذا كفعل اليهود مع عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان ابن سلام من علماء اليهود في المدينة، فلما وصلها النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد الهجرة آمن بن سلام وقال للنبي (صلى الله عليه وسلم) «إن اليهود قوم بهت»، فأسألهم عنى قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: «خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا»، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقّصوه، قال - ابن سلام - هذا ما كنت أخاف يا رسول الله». وقد أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن بعض المسلمين سيفعل كما فعل اليهود بقوله «لتتبعن سنن من كان قبلكم» الحديث متفق عليه: فهؤلاء فعلوا معي كما فعل اليهود مع عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
> ألم يرد في ذهنك عند إعدادك الوثيقة أن نشرها يصب في خانة الأعداء وأنها يمكن أن تخدم كارهي الإسلام؟
- نحن أتُّهمنا بهذه التهمة أثناء مشاركتنا في الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية قالوا إننا عملاء لأميركا وأن جهادنا يخدم أميركا ضد الروس، وكان بن لادن نفسه يشترك في اجتماعات مع أجهزة الاستخبارات، والحقيقة ليست كذلك، وإذا كانت أميركا استفادت من الجهاد الأفغاني ولهذا دعمته فإن هذا قد حدث (وفاقاً لا اتفاقاً)، وكذلك استفاد المسلمون.
الله سبحانه يأمرنا بأن نعطي الكافر أحياناً سهماً من الزكاة (سهم المؤلفة قلوبهم) وهذا فيه مصلحة للكافر والمنافق، ولكن مصلحة المسلمين في ذلك أكبر.
والنبي (صلى الله عليه وسلم) سنّ لنا أن نعطي الكفار بعض المال ليكفوا أذاهم عنا عند ضعفنا كما أراد أن يفعل مع غطفان في غزوة الأحزاب، وهذا فيه مصلحة للكفار، ولكن مصلحة المسلمين أكبر بدفع أذى الكفار وتفريق شملهم.
والنبي (صلى الله عليه وسلم) صالح كفار مكة في الحديبية وقدم لهم تنازلات بما لم يحتمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى قال «لم نعط الدنية من ديننا»، فكان هذا الصلح يصب في خانة الأعداء، ومع ذلك فقد كانت مصالح المسلمين فيه أعظم حتى سماه الله فتحاً في قوله تعالى «إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً» (الفتح 1)، فليس كل ما يصب في خانة الأعداء ممنوعاً أو مذموماً شرعاً، خصوصاً إذا ما حدث هذا وفاقاً لا اتفاقاً، فكيف وصلح الحديبية ومن قبله الشروع فيه مع غطفان قد حدث اتفاقاً؟
والنبي (صلى الله عليه وسلم) نهانا عن الغدر في كل الأحوال، واتفق أهل العلم - كما نقلته في الوثيقة عن الشيباني والشافعي وابن قدامة رحمهم الله - على تحريم الغدر بالعدو، وأن من دخل دار الحرب بأمان أهلها (ومن التأشيرة ولو كانت مزورة) فإنه يحرم عليه أن يعتدي عليهم في نفس أو عرض أو مال، وفى هذا مصلحة للكفار، أي أننا إذا التزمنا بعدم الغدر بهم كما تأمرنا الشريعة فإن هذا يصب في خانة الأعداء، ولكن مصالح المسلمين في ذلك أعظم، ويكفيك دليلاً على ذلك الأضرار التي وقعت على المسلمين ليس في أفغانستان والعراق فقط بل في كل دول العالم بسبب غدر بن لادن والظواهري وأتباعهما جراء أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، والله ليحملن كل هذه الأوزار على ظهورهم يوم القيامة إن شاء الله. فلو أنهم التزموا الشريعة ولم يغدروا لكان في هذا مصلحة لأميركا ولكن مصلحة المسلمين في ذلك أعظم بدفع كل هذا الدمار عنهم ولهذا فقد قال الله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء 107)، فقال (للعالمين) ولم يقل: للمسلمين فقط.
.. يتبع ..
|