عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-12-2007, 08:12 AM   #1
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي سلمان العودة ود.فضل أخطر من بن لادن والظواهري


في ساعة ضحى كئيبة مخنوقة برطوبة وحر جنوب مصر، ووسط الساحة المواجهة لمسجد الجمعية الشرعية بمدينة أسيوط - 450 كيلو مترا جنوب القاهرة - اندلعت مواجهة مسلحة بين تحالف شباب «الجماعة الاسلامية» و«تنظيم الجهاد»، وبين الأمن المصري. انطلقت رصاصة أصابت قلب أحد شباب الجماعة الاسلامية فأردته قتيلاً، وفيما كان يحتضر وتتفجر الدماء من صدره كالنافورة، تجمع عدد من أعضاء التحالف الجهادي، وراحوا يطلبون منه بإلحاح أن يكونوا ممن يشفع لهم عند الله في الآخرة - هناك حديث نبوي يروي بأن للشهيد أن يشفع في 70 شخصاً من أهله وأصحابه - طفحت ملامح الشاب الذي لم يكن عمره يتجاوز الـ 18 بالبًشْر، وتعلقت عيناه بالسماء ومات. حمله طلاب الشفاعة والعفو من الله وذهبوا فيما كان الأمن يلملم قتلاه وجرحاه الذين تناثروا في أرجاء المكان.
بدوت مصدوماً من المشهد فابتسم أمير الجماعة الإسلامية وقتها علاء محيي الدين الذي قُتل في أحد شوارع الجيزة، وقيل ان أجهزة الأمن قامت بتصفيته لخطورته، وقال: «نحن معتادون على ذلك، هذا هو جهادنا. ما رأيك في زيارة خاصة «للإخوة الكبار» داخل السجن».
تم ترتيب الزيارة بالفعل إلى سجن أسيوط المركزي كان أعضاء الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الذين قاموا بالهجوم على قوات الأمن في أسيوط بعد اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات، قد أحضروا لأداء امتحان نهاية العام في المدارس والكليات التي ينتسبون إليها ومعهم كان اللقاء.
دخلت متخفيا وسط مجموعة من الأعضاء لأجد نفسي امام القادة الكبار امثال كرم زهدي وعاصم عبد الماجد وغيرهما. حكيت المشهد الذي رأيته في ساحة الجمعية الشرعية وتساءلت ببراءة: لماذا تقتلون رجال الامن والمدنيين العزل الذين لا ذنب لهم؟ فأجاب كرم زهدي بغضب: «قتلانا شهداء اما قتلاهم والمدنيون فيبعثون على نياتهم» - اي ان كانوا يقاتلون الجهاديين مجبرين فسيدخلون الجنة، وان فعلوا ذلك برضاهم واقتناعهم فهم في النار - ثم أشاح بوجهه، بعدما أحالني الى قراءة ادبيات الجماعة والاستماع الى فكر دعاتها وشيوخها، وراح يتابع نشيدا جهاديا يلقيه شاب ينقر بمسبحته على رأس معدني لعصا خشبية يتكئ عليها عاصم عبد الماجد.
رحت استمع الى ندوة علنية للدكتور الازهري الضرير عمر عبد الرحمن السجين في امريكا الآن، فإذا بالرجل يكفر الدولة واجهزتها ويتهم المواطنين بالجاهلية، ويصرخ في الشباب ان يهبوا للجهاد لنصرة الاسلام.
استاذ ايمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، ومفتى تنظيم الجهاد المصري سيد امام الشريف والمعروف بين اتباعه بالدكتور فضل كان اشد وانكى والاكثر تطرفا، فقد الف كتابا عنوانه «العمدة في اعداد العدة»يدعو فيه صراحة كل مسلم الى الجهاد والى قتال الحكام المسلمين، وقتل المدنيين وتكفيرهم واستحلال اموالهم، وحتمية المواجهة المسلحة مع غير المسلمين، بل وكفر اعضاء الجماعة الاسلامية انفسهم، الامر الذي اضطر ايمن الظواهري الى حذف هذا التكفير وهو ما أغضب د. فضل ودفعه الى تعليق عضويته في تنظيم الجهاد.
كتاب د. فضل لم يكن يفارق جيب اي جهادي، يحمله الجهاديون اينما ذهبوا ليقاتلوا: في افغانستان والفلبين والشيشان واليمن والمغرب وباكستان واندونيسيا والجزائر والولايات المتحدة واوروبا، فهم يعتبرونه دستوراً للجهاد في العالم كله ايضا كتابه (الجامع في طلب العلم الشريف) الذي صدر في ألف صفحة ويؤصل فيه لتكفير المجتمع والخروج على حكامه ومقاتلتهم.
نفس الفكر كانت تروج له اشرطة وكتب دعاة سعوديون، يكفرون الحكام ويطالبون الشعوب بالثورة ضدهم لتطبيق شرع الله، واخراج الاجانب من الجزيرة العربية، واجبار غير المسلمين في المجتمعات الاسلامية على دفع الجزية ورفض كل مظاهر الدولة المدنية والاحزاب والدستور، والسعي بكل قوة الى إقامة الدولة الاسلامية والخلافة الاسلامية.
ومن هؤلاء وفي مقدمتهم كان الداعية السعودي سلمان العودة الذي كان يوصف بانه الاكثر تشدداً في الدعوة الى الجهاد حتى من تلميذه المختفي اسامة بن لادن، وعلى ايدي هؤلاء جميعا انتشر الفكر الجهادي وترعرع في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي، فامتلأت الشوارع بالدماء، والسجون بالآلاف من اعضاء الجماعات الدينية المتطرفة، وبقادتهم وامرائهم ومنظريهم امثال د. فضل وسلمان العودة وعمر عبد الرحمن وغيرهم، وفر من فر الى الخارج، وذهب آخرون الى ساحات القتال في أفغانستان.
لم تتحرك مؤسسات الدولة المدنية في العالم الاسلامي لمواجهة هذا الفكر، واختزلت العملية كلها في «مواجهة امنية» استخدم فيها الامن «العصا والجزرة»، فراح يخوض حروبا دموية في الشوارع، فيما تتحاور اجهزته ودعاته مع قادة الجماعات المتطرفة داخل السجون.
اسفر هذا التوجه الامني عن ظهور «مراجعات فكرية» بدأت بالجماعة الاسلامية منذ 10 سنوات التي وصل نقدها الذاتي بل وتراجعها عن فكرها إلى حد اعتبار الرئيس المصري السادات الذي قتل على ايديهم شهيدا.
وخرج مفتي الجهاد د. فضل على الناس بما يسمى «وثيقة ترشيد العمل الجهادي»، ليتبرأ فيها من قتل المدنيين ايا كانت جنسيتهم، ويدعو الى مصادرة كتابه الأسود «العمدة في اعداد العدة» لان الفصائل الجهادية أساءت تفسير وفهم كتابه، وانه لم يقصد أبدا الدعوة لقتل المدنيين، وان هذه القضية بالذات كانت سبب خلاف شديد بينه وبين الدكتور ايمن الظواهري عام 1995 بعد العمليات التي امر بها الاخير في مصر.
واوضح د. فضل في وثيقته ان عملية القتل والاستيلاء على الاموال بغير حق وزرع المتفجرات في اسواق المسلمين والاستحلال، والتي وقعت باسم الجهاد في مصر واليمن والعراق وغيرها، هي التي ادت الى وقفة مع النفس لضبط الايقاع وفقا للمعايير الشرعية».
اصابت وثيقة د.فضل الجهاديين في العالم بالصدمة - رغم ان الوثيقة تتحدث صراحة عن أن مراجعة هذا الفكر تجيء في سياق حالة «استضعاف وعدم استطاعة» على المواجهة الآن - وخرج ايمن الظواهري لينتقد استاذه بشدة، ويصف وثيقته بأنها جاءت تحت ضغوط امنية اجبرته على التراجع عن افكاره الموثقة في كتاب «العمدة في اعداد العدة».
كما تساءل الظواهري عن مصير هؤلاء الجهاديين الذين قتلوا وقاتلوا اقتناعا وايمانا بفكر د.فضل السابق؟
وعلى خطى المراجعات سار الداعية السعودي سلمان العودة، فقد اعلن في الصحف ان الجهاد الآن خطأ، وانه يبرأ الى الله من كل ما فعله أو ارتكبه تلميذه اسامة بن لادن.
وكالعادة اتهمه منتقدوه بأن تجربته مع السجن وحبه لابنه الذي اعتقلته قوى الامن السعودية وهو في طريقه الى الجهاد في العراق - تردد انه هو الذي ابلغ السلطات عن ابنه كي لا يخرج من السعودية. وهو ما نفاه الشيخ سلمان - كانا السبب وراء تراجعه عن فكر الجهاد.
الصدمة كانت اشد وخصوصا على صعيد العائدين من معتقل غوانتانامو، الذين اعلنوا صراحة رفضهم لمراجعات أو تراجعات، حسب وصفهم، د.فضل والشيخ سلمان العودة وغيرهما من منظري الجهاد، معلنين صراحة ان المئات الذين سقطوا في ساحات الجهاد في افغانستان والشيشان واوروبا وامريكا والعراق وغيرها من الدول، تبقى ارواحهم معلقة في رقبة المفكرين الذين «نظروا» لهم هذا الفكر ويسروه، وعملوا على نشره كرؤية دينية اصولية يأثم من يتركها ويرفضها.
ووصل الغضب ببعضهم الى حد المطالبة باعتقال د.فضل السجين في مصر الآن، والشيخ سلمان العودة، وترحيلهما الى معتقل غوانتانامو كي يذوقا بعضا مما عاناه المعتقلون هناك، جراء الاخذ بفكرهم الذي يمثل دستورا للجهاد في العالم.
التقينا ثلاثة كويتيين من العائدين من معتقل غوانتانامو وتحاورنا معهم حول هذه المراجعات وموقفهم من حقوق الانسان بعد التجربة المريرة التي عاشوها، وسعيهم الى اقامة الدولة الاسلامية التي ينشدونها وغيرها من القضايا.
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس