غاز غزة والانتهازية الإسرائيلية
محمد خليفة
قالت صحيفة تايمز البريطانية في تقرير لها ، إن مجموعة "بي جي ـ BG" وهي المالك السابق لغاز بريطانيا ، تدرس عقد صفقة بأربعة مليارات دولار مع إسرائيل من أجل إمدادها بالغاز الطبيعي الذي اكتشفته هذه المجموعة عام 2000 بمحاذاة شواطئ غزة ، والذي يقدَّر احتياطيه بترليون متر مكعب . وقد عبّرت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن رغبتها الشديدة في إبرام الصفقة المذكورة في أسرع وقت ممكن . وقالت تايمز ، إن الغاز الطبيعي الموجود ، كافٍ لتوفير 10 في المئة من احتياجات إسرائيل السنوية من الطاقة ، وإن الفلسطينيين سيحصلون على مليار دولار في شكل ضرائب . وكانت مجموعة "بي جي" البريطانية قد باشرت التنقيب عن الغاز أواخر التسعينات من القرن الماضي في بحر غزة ، بطلب من إسرائيل التي كان لديها معلومات بأن هذه المنطقة مليئة بالغاز .
وكانت غزة تحت الاحتلال الصهيوني ، وكانت السلطة الفلسطينية قد دخلت في محادثات مباشرة مع إسرائيل منذ إبرام اتفاق أوسلو بين الجانبين عام 1993 ، وذلك بهدف إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة . وكانت هذه المحادثات شاملة لجميع المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية . وكان من المقرر أن تنفذ إسرائيل الاتفاق بشكل مرحلي ، بحيث تنسحب من المناطق الفلسطينية بشكل تدريجي لكي تحلّ محلها السلطة الفلسطينية في المناطق التي تخليها من أجل منع الفراغ الأمني فيها . لكن إسرائيل راحت تماطل في الانسحاب ، وفي نفس الوقت أبدت اهتماماً كبيراً في تنفيذ الشقّ الأمني من الاتفاق . فكانت إسرائيل وحلفاؤها الغربيون يقدمون المال فقط من أجل بناء السجون وسجن المناضلين من الفصائل الفلسطينية التي تعمل على تحرير كامل فلسطين . وقد امتلأت سجون السلطة بالمناضلين في منتصف التسعينات، ورغبت إسرائيل في استثمار غاز بحر غزة ، لكنها خشيت من الانتقاد العالمي لها ، كما خشيت من عمليات فلسطينية قد تستهدف منشآت استخراج الغاز هناك . ولما كانت إسرائيل تموِّل السلطة الفلسطينية ، ولما كانت تشعر بوطأة الاستمرار في هذا التمويل، لذلك تولّدت لديها فكرة استثمار غاز غزة عن طريق السلطة الفلسطينية .
وهكذا ظهر الحديث عن اكتشاف الغاز في بحر غزة من قِبَل شركة بريطانية عام 2000 ، وظهر الحديث عن رغبة السلطة الفلسطينية في بيع هذا الغاز إلى إسرائيل . لكن السلام المزعوم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ، ما لبث أن انتكس بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر عام 2000 . وتصاعد التوتر في الضفة وقطاع غزة ، واتضح لإسرائيل أن الشعب الفلسطيني لن يوقف انتفاضته حتى ينال الاستقلال . ولهذا اضطرت إلى معاقبة السلطة الفلسطينية ومحاصرتها لمنعها من استثمار انتصارات الانتفاضة خصوصاً أن هذه السلطة تحظى بإجماع عالمي على مطالبها المتمثلة بإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع ، ومن ثم اغتالت إسرائيل رمز السلطة الفلسطينية القائد ياسر عرفات .
وفي عام 2005 ، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ودمّرت مستوطناتها هناك . لكنها ظلت تفرض حصاراً بحرياً وجوياً على غزة، وظلت طائراتها الحربية تنفذ عمليات إرهابية ضد الشعب الفلسطيني الصامد فيها . وفي أوائل عام 2006 ، جرت انتخابات نيابية في الضفة وغزة ونجحت حركة حماس في الحصول على معظم مقاعد برلمان السلطة ، وقامت بتشكيل الحكومة الفلسطينية ، وقد فوجئت إسرائيل وحلفاؤها الغربيون بهذا النصر لحماس ، فعمد هؤلاء إلى فرض حصار اقتصادي على الشعب الفلسطيني لدفعه إلى التخلي عن تأييده لحماس . لكن هذا الشعب لم يستسلم ، بل تمسّك أكثر بحكومته المنتخبة ، وفشلت إسرائيل وحلفاؤها في فرض إرادتهم على الشعب الفلسطيني ، بيد أن هؤلاء نجحوا في زرع الشقاق بين السلطة الفلسطينية الممثلة بحركة فتح ، وبين الحكومة الفلسطينية الممثلة بحركة حماس . ونتج عن هذا الشقاق تلك الحرب المستمرة بين الحركتين في قطاع غزة والتي ذهب ضحيتها إلى الآن عشرات الفلسطينيين . وتعمل إسرائيل على تقوية حلفائها ضد حماس ولاسيما في غزة ، وليس هناك من وسيلة أفضل من المال لشراء الذمم والنفوس . وهذا المال لن يأتي هذه المرة من إسرائيل أو من الغرب ، بل من حقل الغاز في بحر غزة . ولهذا يعاد الحديث عن هذا الغاز ، بحيث تتولى إسرائيل استثماره من خلال تلك الشركة البريطانية ، ومن ثم تعطي السلطة الفلسطينية جزءاً من الضرائب التي تفرضها على الغاز المباع في داخلها .
وبهذه الطريقة تأخذ إسرائيل غاز غزة وتعطي السلطة الفلسطينية من فتات موائدها ، وهذا الفتات سيكون تقديمه مشروطاً بقمع حماس .
http://www.ssnp.info/article.php?id=25150