عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-11-2007, 03:48 PM   #2
الفارس
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
الإقامة: مصـر
المشاركات: 6,964
إفتراضي

ونحن حين نتعامل مع القرآن على أنه مجرد (مسكن موضعي) أو (وسيلة راحة) فإننا نختزل قيمته العظيمة ونتغاضى عن رسالته العظيمة في تنظيم حياتنا الفردية وحياتنا الجماعية بما يحقق التوزان والتناغم مع الكون الأوسع ليس في الدنيا فقط وإنما في الدنيا والآخرة، والقرآن يعطينا طمأنينة وراحة على مستويات متعددة نذكر منها:-
1- المستوى الأول:- الطمأنينة لمجرد سماعه حتى دون فهم وتدبر , فالتراكيب اللفظية والإيقاعات الصوتية المعجزة تجعلنا في حالة هدوء واسترخاء.

2- المستوى الثاني: الإحساس بوجود الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) ذلك الإحساس الذي يجعلنا نشعر أننا لسنا وحدنا في هذه الحياة وأن هناك قوة عظيمة وهائلة تساندنا وتحمينا وترعانا, وأن حياتنا البسيطة المحدودة ليست نهاية الكون وإنما هناك امتدادات وآفاق هائلة في المكان والزمان, وبهذا ننتقل من ضيق الأفق البشري إلى اتساع ولا نهائية ملك الإله الأعظم وقدرته. وفي هذا تخفيف لحدة الكرب الذي نحياه بسبب ضغوط الحياة المختلفة واضطراب توافقنا مع الناس والأشياء.

3- المستوى الثالث: التنظيم النفسي الفردي الذي يحقق التوازن بين كافة الاحتياجات والرغبات والدوافع فلا تطغى حاجة على أخرى ولا تلغي رغبة قيمة ولا ينفرد دافع متضخم بتحريك الشخصية لحسابه. ذلك التوازن النفسي الداخلي يتحقق بتبني المفاهيم القرآنية الصحيحة على المستوى الداخلي (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) [الإسراء :82].

4- المستوى الرابع: التنظيم الجماعي على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ذلك التنظيم الذي يحقق الشورى والعدل والتكافل الاجتماعي فيخفض بذلك من نزعات الغضب والقلق والحقد والكراهية, أي يحقق الطمأنينة الجماعية.

5- المستوى الخامس: التناغم الكوني, فالإنسان على مستواه الفردي والجماعي هو جزء من كون واسع خلقه الله وسيره على ناموس دقيق, فإذا استوعب الإنسان القرآن وسار على منهجه الصحيح فإنه يتناغم في حركته مع الكون الأوسع.

6- المستوى السادس: السعي نحو الله وهو قمة الطمأنينة "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي
" (الفجر27-30) لأن النفس البشرية مفطورة على الشوق إلى لقاء الله خالقها ومبدعها لذلك فكلما اتجهت إليه شعرت بالأمان والطمأنينة وكلما ابتعدت عنه (نتيجة تشوه الفطرة) شعرت بالضيق والقلق والخوف"ومن يعرض عن ذكر الله نجعل صدره ضيقاًَ حرجاً كأنما يصعّد في السماء أو تهوي به الريح في مكان سحيق".

وهذه المستويات من الطمأنينة ليست عامة لكل الناس, فالقرآن يؤثر في النفوس وفي الجماعات حسب استقبالها له "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً" (الإسراء:82)
.

وفي سورة فصلت بيان لاختلاف تأثير القرآن باختلاف المتلقي وطريقة تلقيه "قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرُُ وهو عليهم عمىً " [فصلت 44].
وفي سورة الإسراء يقول تعالى: "وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً ً" [الإسراء46,45].

إذن فالقرآن يصبح شفاءً لمن يؤمن به ولمن يفقهه ولمن يعمل به, ومن هنا فمن لا يؤمن به لا يستفيد منه بل هو يزداد خسارة عند سماعه لأنه ينفر منه ويصبح ذلك حجة عليه, ومن لا يفقه القرآن ولا يعمل به ستتوقف استفادته عند الحدود الدنيا.

والمريض النفسي الذي يعاني من الفصام أو الاكتئاب أو أي مرض نفسي أخر يكون لديه اضطراب في كيمياء المخ ربما يؤدي إلى خلل في استقباله للقرآن فكأنه لا يسمعه أو يسمعه ولا يفهمه, أو يفهمه بشكل مرضي متأثراً بوساوسه القهرية أو ضلالاته أو هلاوسه المرضية, ولذلك نجد بعض المرضى النفسيين يتألمون أو ينفرون أو يعرضون حين يسمعون القرآن, وهم ليسوا مؤاخذين على ذلك لأنهم في أوضاع غير سوية تؤثر في إدراكهم واستقبالهم:

فالمريض الاكتئابي مثلاً قد ينفر من أعز أبنائه ويضيق بالأشياء التي كان يعشقها ولذلك حين نرى ضيقه بسماع القرآن أو قراءته لا نحكم عليه بكراهية القرآن أو النفور منه لأنه يعيش ظروفاً استثنائية ترفع عنه الحرج في الكثير من الأشياء. والمريض الذهاني لا يفهم ما يسمع أو يفهم بطريقة مشوهه نتيجة اضطراب إدراكه وتفكيره. والمعالجون بالقرآن لا يراعون هذه الخصوصيات وهذه الفروق في العملية الإدراكية وفي عمليات الاستقبال للقرآن فهم يفرضونه قهراً على كل المرضى الذين يقصدونهم دون مراعاة لظروفهم النفسية وحالاتهم الوجدانية واستعداداتهم للتلقي فضلاً عن الفهم والعمل.

وهناك احتمالات تقديس المعالج بالقرآن والارتكان إلى بركاته وكراماته وقدراته الهائلة في دفع المرض ودفع القوى الخفية كالجن والسحر والحسد, وفي هذا خطر شديد على الاعتقاد الديني للشخص (حيث يتوجه إلى بشر ضعيف مثله طالباً الخلاص على يديه) وخطر شديد أيضاً على اتجاهاته النفسية حيث يميل إلى الاعتمادية الطفلية السلبية ويسلم نفسه لمعالج يدَعي القدرة على امتلاك السر الأعظم من القرآن وتطويعه بشكل خفي لعلاج كل الأمراض ضارباً عرض الحائط بقانون الأسباب والمسببات الذي وضعه الله لحركة هذا الكون ولحياة البشر فيه من خلال وسائل نوعيه قائمة على المناهج العلمية الصحيحة.

كل هذه الاعتبارات تجعلنا نأخذ موقفاً واعياً تجاه هذه الظاهرة التي تضع القرآن في غير موضعه وتختزل رسالته العظيمة في الهداية والإصلاح, وأيضاً تكرس لكل معاني التغييب الحضاري والتثاؤب التاريخي والاعتماد السلبي.
__________________
فارس وحيد جوه الدروع الحديد
رفرف عليه عصفور وقال له نشيد

منين .. منين.. و لفين لفين يا جدع
قال من بعيد و لسه رايح بعيد
عجبي !!
جاهين
الفارس غير متصل