عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-11-2007, 01:52 AM   #17
كونزيت
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الحجاز
المشاركات: 3,955
إفتراضي

قد تغيب الشمس ويتلاشى ضوء القمر , وتحترق الخضرة لتصبح هشيماً تذروه الرياح

قد تنكسر الصور وتبهت الذكريات وتخلف النار الرماد

قد أغيب عن الدنيا ويطوى ذكري

فناء في فناء

لا شيء يبقى

حتى الأماني الصغيرة كزهر البنفسج تعلن النسيان

أقف على جسر الحياة , التفت يمنةً ويسرة , لا شيء يبقى.

تصرخ الوحدة بضجيجها القاتل

كل شيء سقط وغاب

وكل قريب تداعت قرابته

لا أنساب !!! ولا عهود !!!


.................................................. .............................



قسم الأموات , أو ربما قسم الأحياء الأموات , أو أي اسم فهناك تتساوى كل الآراء , فسموه ما شئتم . أضاءت الكهرباء كل جنباته وممراته , ولكنه مظلم .
في طريقك إليه ترى الخضرة والأشجار في الطرقات وكأنها جنة من جنان الأرض ,

لكن

لا أحد يضحك أو يبتسم ولا أطفال يمرحون ويلعبون.

يبدأ القسم بغرفة مقفلة لم أرى من بداخلها يوماً وحتى الطبيب إذا أراد الدخول يطرق ويستأذن ليُفتح له . وما إن يُفتح ذلك الباب حتى ترى طرف سجاد تزينه النقوش والزخارف . يبدو أنه مريض له مكانه . أو ربما أطال البقاء في المستشفى حتى أصبح من نزلاءه الدائمين .
ثم يأتي بعد غرفته غرفة أخرى وهي واسعة بما يكفي لثلاثة أشخاص . هناك كان ابو عبدالله .... رجل أربعيني أوهن المرض قواه ولكنه لم يوهن عزيمته . كان يتصل بزوجته في أوقات الصلاة الخمسة ليطمئن أن أولاده قد أدوا الصلاة .
كان حريصاً على نظافة غرفته وأدواته التي يستخدمها حتى أنه ينظف ما حوله بنفسه .
وبعد غرفة أبو عبدالله غرفة أخرى فيها ثلاث أمهات مع أطفالهن . وهناك كانت (منى) ذات الست أعوام رأيتها تتمشى وتحمل معها أثقالها لتزف المغذي والشماعة التي تحمله معها أينما ذهبت , وقد غطت شعرها أو لنقل بقايا شعرها بغطاء أبيض . رأيت والدها ذات مره , وقد كان يأتي لزيارتها وأمها كل يوم ويحضر ما تحتاجانه معه . كانت هيئته وملابسه تدل على الفقر وضيق ذات اليد .
وفي آخر المكان غرفة كتب عليها غرفة العزل تمنيت أن أطمس معالمها كي لا يراها أحمد .
فهي الغرفة التي يقيم فيها واهن القوى معتل الصحة ناحل الجسد و كأنه في الـثالثة عشر أو الرابعة عشر من عمره بينما هو في السابعة عشر من العمر .
في إحدى الليالي توفي أبو عبدالله بسكتة قلبية , ليودع الدنيا بهمها وغمها وتعبها وينتقل إلى جوار الرحمن . رحل وترك إلى جانب سريره فناجين الشاي والقهوة التي غسلها بعناية ووضعها على منشفة بيضاء في إنتظار زواره .
ودعوه وكلٌ يتخيل أنه سيلحق به قريباً . كانت ساعة رحيله ساعة ترسم لوحة الحزن المطبق كآبة ً وظلمة .

بعد ذلك بعدة أشهر رحل أحمد.........

ترك وراءه بطاقته الشخصية ملقاة في حقيبته تحمل صورة لفتى هادئ ينظر إلى الأمام بكل طموح وهمه ......

بكت الممرضه النصرانية (والتي كانت تهتم به) بحرقه وقالت لي :
Oh hopeless , he was a good boy


وبعد ذلك رحل آخرون لن يغني ذكر أسمائهم شيئاً

مشاهد تتكرر في ذلك المكان المظلم .
__________________
كونزيت غير متصل   الرد مع إقتباس