عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-10-2007, 01:53 AM   #10
صتيمه
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 561
إفتراضي

وفي الصباح توجه الوفد الى سمو الشيخ في قصره الكائن على ساحل البحر (قصر السيف) حيث كان يجلس جلسته المعتادة الى زواره والمترددين عليه، وهناك رجوا من سموه الاجتماع به على حدة، حيث ناولوه الرسالة آنفة الذكر وكاشفوه في الغاية التي وفدوا من اجلها. وفي هذا الاجتماع تكلف سموه مجاملتهم وابدى ارتياحه الى تحقيق الفكرة التي جاؤوا من اجلها وقال انه ليسره على الدوام ان يصارحه المخلصون بما فيه صالح الكويت ثم قال انه سيرسل عليهم غدا في مثل هذا الوقت ليتداولوا معهم في الأمر ويعطيهم رأيه فيه.

وقد حضر هذا الاجتماع متعمدا فقط الشيخ فهد السالم الصباح اخو ولي عهد الامارة الثاني من ابيه. وبعد انصراف الوفد من سمو الأمير ارسل الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد اخاه فهد الى ديوان الشيخ يوسف بن عيسى طالبا اليه تبليغ الجماعة (أعضاء الوفد) تأييده هو واخيه لمؤازرة الجماعة واستعداده للتعاون معهم في تحقيق مطالبهم، فكانت هذه الروح الطيبة من البوادر الجميلة التي شجعت عزائم الوطنيين وبشرتهم بالنجاح. وقد ارسل الأمير على أعضاء الوفد رسوله في اليوم التالي يدعوهم الى الاجتماع به، وقد وجدوا معه في انتظارهم سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي طلب الأمير حضوره الى جانبه وابدى سموه موافقته على تشكيل المجلس وانما اشترط ان يكون الشيخ عبدالله السالم رئيسا للمجلس المنتظر.

فرد عليه أعضاء الوفد كل بدوره محاولين الايضاح لسموه ان أمر رئاسة المجلس من اختصاص اعضائه الذين ستنتخبهم الأمة بكامل حريتها وانه ليس في مكنتهم البت فيها منذ الآن وقالوا ان مهمتهم تقتصر على مفاوضة الأمير واخذ موافقته على تشكيل المجلس والأمر باجراء الانتخابات، والواقع ان احدا من هؤلاء ما كان يفكر في ترشيح غير سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح لرئاسة المجلس العتيد لا سيما بعد ان ظهر منه التأييد الكامل لهم غير انهم رأوا ان لا تفرض على الكويتيين هذه الرئاسة فرضا وانما تجري على سننن الانتخابات، فرد الأمير وهو يحاول جس نبضهم: "ومتى قلنا لكم انه ليس عندنا لكم مجلس ولا غير مجلس ماذا تفعلون؟"

فنهض عندئذ رئيس الوفد الحاج محمد ثنيان عن كرسيه غاضبا وهو يقول: "نقول في أمان الله". غير ان سمو الأمير وهو المشهور بسعة حلمه ودماثته المعروفة تدارك الأمر قائلا: "العفو انا امزح معكم.. استرح يا ابي عبداللطيف، انكم احرار في انتخاب رئيسكم ولكم ان تباشروا بالانتخاب فورا". وتكلم الشيخ عبدالله السالم فقال: "انا من رأيي التعجيل بالانتخابات حالا كيلا تحصل تحزبات عنصرية وغيرها"، وكان يخشى حفظه الله تكتلات العجم وغير ذلك.

وعندها خرج أعضاء الوفد من لدن سموه شاكرين مستبشرين واجتمعوا فورا بأعضاء الكتلة الوطنية حيث عرضوا عليهم نتيجة المفاوضة، فاستحسن الجميع دعوة الشيخ يوسف بن عيسى والحاج أحمد الحميضي وهما ابرز وجهاء الكويت ليطلعوهما على ما حصل.

فاشار الشيخ يوسف بن عيسى بضرورة الاسراع بالانتخابات قبل ان تبدر بوادر تحزبية غير مستحسنة واتفق الجميع على ان تتألف لجنة للاشراف على الانتخابات من بعض وجهاء البلد (الشيخ يوسف بن عيسى، الحاج أحمد الحميضي، محمد ثنيان الغانم) ولم يكن بالامكان العمل بغير ذلك خاصة وان احدا في الكويت لا يشك مطلقا في نزاهة هؤلاء المختارين، واجتمعت اللجنة ظهر ذلك اليوم في ديوان يوسف مرزوق المرزوق حيث هيئوا قائمة اسماء ثلاثماية وعشرين ناخبا من مختلف العائلات في الكويت ومنهم فريق من الحساوية والعجم الذين استوطنوا الكويت لسنين طويلة، ودعوا جميع هؤلاء للحضور بعد صلاة العشاء ليلا في ديوان آل الصقر حيث يباشروا باجراء الانتخابات فورا بحضور الجميع.

وقد حاول فريق من الناقمين صد الناس عن تلبية الدعوة والمطالبة بمقاطعة الانتخابات بحجة السرعة التي ستجري فيها، ولكن الصحيح ما كانوا يدركونه من انفضاض الناس عنهم وعدم رغبتهم في انتخابهم فودوا لو امهلوا لاحداث بعض الشغب ولهم من رجال السلطة والحاشية ما يمكنهم من ذلك لو اتسع لهم الوقت، غير انهم لم يجدوا من يصغي اليهم فاضطروا للحضور بانفسهم كارهين وطالبوا باضافة عضوين آخرين الى أعضاء اللجنة التي تشرف على الانتخابات وفرز الاصوات فاجيبوا حالا الى ما طلبوا، وبوشر بالانتخابات بتمام الهدوء والنظام.

وفي الصباح تم فرز الاصوات بحضور اللجنة المشرفة فاذا بالسادة الآتية اسمائهم يفوزون بعضوية المجلس التشريعي بالتسلسل:

عبدالله حمد الصقر، محمد ثنيان الغانم، الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، السيد علي السيد سليمان العدساني، مشعان الخضير آل خالد، حمد الداود المرزوق، سليمان خالد العدساني، عبداللطيف محمد الثنيان آل غانم، يوسف الصالح الحميضي، مشاري حسن البدر، سلطان ابراهيم الكليب، صالح العثمان الراشد، يوسف مرزوق المرزوق، خالد العبداللطيف الحمد.

وقد كان هذا الفوز الساحق لأعضاء الكتلة الوطنية وانصارهم مثار فرح وسرور عظيمين في كافة ارجاء الكويت، وقد جعل الكويتيون يهنئون بعضهم بعضا على هذا الفوز الباهر والتوفيق المبين ولكن الصدمة كانت كبيرة على الذين كانوا يمنون انفسهم بالنجاح وهم:

ثنيان محمد الغانم، محمد أحمد الغانم، يوسف عبدالوهاب العدساني، نصف يوسف النصف، خالد الزيد الخالد، عبدالمحسن الناصر الخرافي.

فلما سقطوا وكانت غالبيتهم من المتصلين بالملا صالح تعاونوا فيما بعد على عرقلة اعمال المجلس واثارة كل الفتن لهدم المجلس والمجلسيين.

وقد تحدث السيد خالد العبداللطيف الحمد ولم يكن اذ ذاك منتميا الى اي فريق فقال: "لقد اقنعني بعض الناقمين بمقاطعة الانتخابات واجتمعوا في بيتي قبيل الوقت المحدد لها لتدبير الخطة في اثارة الجمهور وتحريضه على عدم الانتخاب داخل مكان الانتخابات وخرجنا جميعا ذاهبين الى ديوانية الصقر مقر الانتخاب وكانت الخطة تقضي بان اقوم انا اولا واتفوه باي شئ ادعو الناس فيه الى التضحية ونكران الذات ثم يتلونى الآخرون بما يثير الناس ويبلبل افكارهم فتحصل الفتنة وتؤجل الانتخابات وهو الهدف الأول من ذلك ثم يتسع لهم الوقت لفعل ما يريدون وقد تكلمت فعلا قبل توزيع بطاقات الانتخابات ثم جلست وتلفت الى جماعتي آملا ان اجد احدا منهم يقتفي اثري كما كنا متفقين غير انهم تهيبوا الموقف اذ لم يجدوا اي وجه للاعتراض سوى المطالبة باضافة عضوين الى لجنة الاشراف على الانتخابات احدهم يوسف العدساني وباشروا بعد ذلك هم انفسهم بالانتخابات مؤملين بالفوز فانخرطت معهم وكتب لي الفوز من دونهم.

ولقد حفز هذا الفشل المنتظر بالانتخاب لهؤلاء الناس الى تناسي المصلحة العامة في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها الأمة من اجل الفوز باغلى امانيها، فنصبوا انفسهم لمناهضة اخوانهم الفائزين ومناصبتهم بالعداء وزرع كل المشاكل في طريقهم رغم بياض صفحة بعضهم وحسن تفكيرهم فارتأوا اول ما ارتأوا الطواف بالاسواق لحمل الناس على توقيع عريضة اعدوها لرفعها الى صاحب السمو الأمير يطالبون فيها باعادة اجراء الانتخابات بعد ان اشتركوا هم فيه وفي الاشراف عليه، ولكن تصدي لهم الشباب الوطني المتحمس فشل حركتهم ونفر الناس منهم اذ لم يوقع على عريضتهم الا بضعة اناس لا قيمة لهم.

وقد اسف الناس ان يتمادى امثال محمد الغانم ويوسف العدساني وامثالهم من الغيارى والمفكرين في التطويح بمكانتهم للوقوف في صف المعارضة جنبا الى جنب مع النفعيين والحاقدين لا لشئ سوى التشفي من اخوانهم الذين فازوا ولم يفوزوا هم بكراسي المجلس، وكان ذلك منتظرا بسبب اتصالهم بالملا صالح وتعاونهم معه بسبب بعض المصالح التجارية وغيرها.

تلك هي اذا طبيعة المعارضة الكويتية نشأت منذ البداية على اساس المنافسات الشخصية عند قوم وعند آخرين بسبب الخوف على مصالحهم ومنافعهم المادية، فتعاهدوا جميعا في الوقوف جنبا الى جنب رغم اختلاف آرائهم وتباين اغراضهم على معاكسة مشاريع المجلس منذ قيامه بغير برنامج ولا لخدمة وطنية، بقصد الهدم والتخريب كما قال سبحانه وتعالى {يخربون بيوتهم بأيديهم}.

وقد تآلب آل أحمد الغانم (محمد الغانم واخوانه) على الضغط على قريبهم ونسيبهم محمد ثنيان الغانم لحمله على الاستقالة من المجلس قبل اول اجتماع له ليفتوا من عزيمة المجلسيين ويثلموا من قوتهم، فانصاع غير مرتاح الى الاستقالة فحل محله بالتسلسل الرجل القوي محمد بن شاهين الغانم بن عم المستقيل، وبذلك عوض المجلسيون ما فقدوه من خسارة في استقالة الحاج محمد الثنيان.

كان الحكم في الكويت الى ما قبيل عهد المجلس التشريعي محصورا في جميع مظاهره واشكاله في يدي الحاكم الفرد الذي يتعلق على كفائته وحسن اختياره لموظفي الحكومة ورجال القصر من الحاشية والتابعين مصير البلد والناس جميعا. أما الواردات فانها كانت تجبى دون ان يخصص منها ولو نصيب يسير للخدمات الضرورية، لا في الصحة ولا في المعارف ولا في العمران أو في أي منفعة عامة اخرى. وكان القضاة وغيرهم يعينون بارادة الحاكم التي يكيفها دائما اقرب المشيرين اليه من رجال الحاشية والمتنفذين، فكان من غير المتوقع ان يشيروا على سموه بانتقاء الرجال الاكفاء المشهود لهم بالنزاهة وطهارة الضمير بل كانوا ينتقون الضعفاء والخائرين للتعاون معهم في كسب الاموال الحرام وتهيئة الوسائل العجيبة لابتزاز الخزينة والتحكم في رقاب الناس وقضاياهم.

ولقد كان الملا صالح رئيس كتاب الأمير بل وزيره الأول صاحب النفوذ الأول والكلمة المسموعة في بلاط الأمير وبالتالي في كافة شئون الامارة ودوائر الحكم فيها. وكان من المتعذر في الكويت ان تنجح اية قضية او يصدر حتى حكم عادل في دوائر القضاء او في سواها ما لم يكن لها سند الملا ومصلحته نصيب. فالقضايا الشرعية والاحكام الجنائية والاتفاقيات والامتيازات والاحتكارات النافعة والضارة تكيف اولا وتهيأ في دار الملا او دائرة اعماله (مكتبه في السوق الداخلي) حتى اذا تم الاتفاق عليها مقدما ودفع الثمن المطلوب سارت في طريق النجاح فائزة بتوقيع الأمير غير حافلة بالاعتراضات والانتقادات العامة.

يتبع
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
صتيمه غير متصل   الرد مع إقتباس